مقال الأربعاء
علي مقهي “الحالمون بالغد”
الوطن ،ومستقبل مصر السياسي
بقلم
حسام بدراوي
إن مهمة الحكم الحاليّة هي أن يؤسس لاستدامة طريق التنمية لمصر العظيمة، ليس اعتماداً على فرد ولكن على نظام مستدام، وتداول سلمي للسلطة بإرادة حرة للناخبين، واحترام لتوازن القوى داخل المجتمع المصرى،
وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التي يتبناها أي نظام.
وعلي قيادة البلاد العمل علي استدامة التنمية والحكمة في عدم تكرار أفعال أدّت إلي الفشل وانتظار نتائج مختلفة.
مصر القوية داخلياً ، احتماعياً واقتصادياً هي مصر التي باستطاعتها إحداث التوازن في الشرق الأوسط وحماية الوطن.
إن تحقيق أكبر فاعلية النظام الحاكم يرتبط بوصول الاكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة للسلطة التنفيذية، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء.
إن علينا سياسياً أن نركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم،
– كفاء الحكام والمؤسسات .
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية،
– نظام عدالة مستقل وفعّال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال)
نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين بناء قدراتهم ليكون عندهم فرصة اختيار الأفضل، والمساهمة الفعالة في الإسهام في تنمية أنفسهم ومجتمعهم..
ـ الالتزام ببتطبيق فلسفة الدستور ، ومواده ، وتوفير حقوق المواطنين.
إننا في رؤيتنا لمستقبل سياسي يضمن استدامة التنمية ، نبحث عن مبادرات تحقق أحلامنا بجمهورية مدنية حديثة ،بتوازن بين القوي الحقيقية على أرض الواقع، مبادرة لا تَحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرة تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائي للقانون، مبادرة تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وحسن الاختيار لممثليه في البرلمان .
إن القوات المسلحة المصرية تملك زمام الأمور الآن، ولا يجب أن توضع سياسياً أمام مسؤولية تحدى التنمية، وتفقد قيمتها المرجعية فى حالة الخروج عن الدستور والشرعية، أو الثورات الهدامة، إذا استدعاها الشعب.
لذلك فلابد من إيجاد صيغة جديدة تحترم توازن القوى ولكن لا تهدر قواعد الدولة المدنية وهذا ما يجب أن يسعى إليه كل أصحاب المصلحة فى المجتمع ، والكتابة حوله بلا حساسية ولا خوف.
إننا نعتقد أن نظام الحكم الرئاسي ، الذي يتولي فيه الرئيس المنتخب سلطات واسعة للحكم ، هو النظام الأمثل لمصر، بل هو الواقع السياسي منذ عام ١٩٥٢ رغم أننا ندًعي غير ذلك.
ولكن هذا النظام يؤدي إلى الاستبداد بالسلطة ما لم يكن محدد المدة بمدتين على الأكثر لا تزيد عن إثنى عشر سنة ،. هو ما يؤكد عليه الدستور ، ويكون ذلك اختيارا دستورياً غير قابل للتعديل من أي سلطة حاكمة لصالح بقائها..
يجب أن يتوازى مع النظام الرئاسي الذي يعطي سلطات واسعة للرئيس ، تمثيل برلماني يضمن اختيار ممثلي الشعب بحرية ، وهو الأمر الذي قد لا يجئ بأفضل العناصر نتيجة للفقر والجهل، ولكنه واجب الحدوث ، وإلا حرمنا الأغلبية من إبداء الرأي ، لذلك يصبح وجود غرفة أعلي أخري للبرلمان كما أقر الدستور المعدل أمراً حيوياً ولكن ليس بالطريقة التي تم تطبيقها في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة والتي استخدمت اسلوب القوائم المطلقة وتمت بضغوط من السلطة التنفيذية.
مجلس الشيوخ لا يجب أن يُمَثل فيها سوى عدد محدود من المتعلمين وقادة الفكر في المجتمع، ويأتي بنظام انتخابي محدد الأطر ، ونظام تعيين ينخفض فيه عدد المعينين تدريجيا عبر عدد محدد من السنوات في بداية الأمر ويكون محدد المعايير ومعلن.
ان اللامركزية التي أقرها الدستور الحالي والسابق والأسبق و التي يجب تطبيقها تدريجيا ، هي الوعاء الأوسع للاستماع الي الشعب على مستوى القرية والمركز والمدينة والمحافظة ..
كل ذلك يجب أن يقام على عمودين أساسيين ، التطبيق الناجز للقانون ، وخطة تنمية إنسانية من خلال التعليم والرعاية الصحية لا يُسمح بالتراجع عنها تحت أي ظروف..
والحقيقة أن المجتمعات التي نجحت في تنمية بلادها وصلت إلى توليفة تفاهم تمنع دمج الدين بالسياسة ، وعدم تحكم القوة العسكرية في السلطات المدنية ورفض الأيديولوجيات البشرية المتطرفة ، وممارسة فعالة للحرية وإحترام لحقوق المواطنين فى إطار تطبيق ناجز للقانون ، ولا تتنافس فيه الكنيسة أو القوات المسلحة مع المجتمع المدنى على الحكم، حيث تدور عجلة التداول بوضوح، ويبقى للقوات المسلحة أثرها واحترامها وعدم التدخل في الحكم المدنى ، وتبقى الكنيسة والجامع داخل إطار الروحانيات بلا تدخل في حياة البشر .
الاستثناء هو ما نراه في الدعم المطلق لإسرائيل وللصهيونية التي تمثل هدراً لحقوق الإنسانية في إطار دولة دينية متطرفة بانحياز غير مسبوق معاكس لكل ما تدعيه الولايات المتحدة والمملكه المتحده بالذات من قيم يحاسبون الآخرين عليها.
فى الدول النامية، ومنها مصر، فإن المجتمع المدنى والقوى الاقتصادية ما زالت ليست شريكة في الحكم ، وكلما نما القطاع الخاص تأتي التغييرات بالثورات أو الانقلابات العسكرية لتحجيمه مرة أخرى، ثم نعته بعدم الكفاءة والفساد، بل خلق صورة ذهنية سلبية مستدامة له.
الأيديولوجيا الدينية أثبتت فى مصر عدم ملاءمتها لثقافة الشعب المصرى الذى تخلص منها فى سنة واحدة، وهو ما يُعتبر في حكم التاريخ عملًا استثنائيًا. ولقد بدأ سقوط سطوة الحكم الديني في المملكة السعودية ولكن ما زالت السلفية والوهابية تعمل في مصر تحت سقف واقع سياسي لا يردعها بشكل كافي ، ومستعدة من خلال تنظيمات دينية ممولة جيدا من الانقضاض على الحكم في أي لحظة تراخي أو فشل
وهو ما أخشاه من واقع لا يرضي أحلامنا .
العجيب والذي يحتاج دراسة أيضا هو لماذا قامت ثورات الخريف العربي في الدول الجمهورية ولم تحدث مثلها في الدول الملكية رغم أنها لا تتمتع بإمكانية الحكم الديمقراطي ، وهي دول قائمة علي توريث الحكم بدون شراكة من الشعوب!!!!؟؟ وذلك لأنها ثورات تأججت نيرانها بفعل فاعل مخابراتي بإمتياز .±
إن الدولة المدنية الحديثة هي “التطور المنطقى لمصر”
فما هى الدوله المدنيه الحديثه التي ندعو لها ،وأُسسها، وكيفية ترسيخ مفهومها لدى الأجيال الجديدة؟!.
أذكركم أن الشعب كله وافق على دستور يبدأ بهذه العبارة :
“نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية”
“يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
هذه هي مقدمة الدستور والمادة الخامسة منه والذي وافق عليه الشعب المصري بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤ ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في ٢٠١٩ كما حدث لغيرها. الدستور هو مرجعيتنا في إدارة مصر والحفاظ عليها .
وأختم مقالي بمعركة موازية للتنمية وهي تنمية المواطنة وغرسها في وجدان شبابنا للإحتفاظ بفلسفة هويتنا وجعلها أساس من أسس بناء المستقبل.
المواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، التي يجب أن تتوفر له ، ولكن حرصه على ممارستها من خلال شخصية مستقلة قادرة على الإختيار بجرأة وتمكين سياسي.
ويؤدى التطبيق المجتمعي لمفهوم المواطنة في كافة المؤسسات إلى تنمية مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التي تؤثر في تكوين شخصية الفرد، وهويته ، والتي تنعكس في سلوكه تجاه أقرانه وتجاه مؤسسات الدولة وكذلك تجاه وطنه.
إن مفهوم الانتماء للوطن هو الارتباط الفكري والوجداني بالأمة والذي يمتد ليشمل الارتباط بالأرض والتاريخ والبشر والحاضر والمستقبل ، وهو بمثابة شحنة تدفع المرء إلى العمل الجاد والمشاركة البناءة في سبيل تقدم وطنه ورفعته ، وهذه أمور لا تحدث وحدها بل يكتسبها الطفل والشاب من أسرته ومدرسته وجامعته وعمله ومن الثقافة والفن والإعلام.
إن الانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن، فعندما يستشعر المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل والبناء لرفعته.
ببساطة الوطن ليس أرضاً بلا شعب ليس مجرد حدوداً مرسومة ، فالشعب هو روح الوطن . الانسان هو عبارة عن روح تسكن جسداً اذا غادرته فإنه يموت ، وكل أمة هي روح بتاريخها وثقافتها وحضارتها وعندما تتواجد في أرضِ تخلق وطناً.
الوطن ليس فندقاً نعيش فيه ونتركه إذا لم يعجبنا حاله في لقطة من التاريخ ، ولكنه يعيش فينا بكل تاريخنا وثقافتنا والأهم بآمالنا وأحلامنا.