الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / ثورة يناير بين الأمل والفكر والعمل

ثورة يناير بين الأمل والفكر والعمل

قال الشاب الثورى: عادت ذكرى ٢٥ يناير ويعتصرنا الألم يا دكتور لضياع أملنا وانتهاء حلمنا.
قلت: يا أولادى الألم والمعاناه تصقل النفوس وتجعل من الفحم «ألماظ». والعبرة فى تراكم الخبرة والتعلم من الأخطاء. وليس البكاء على ما فات أو الولولة على ما كان يمكن أن يكون.
ثورة ٢٥ يناير فى أيامها الأولى كانت انتفاضة فيها الكثير مما سيكتبه التاريخ من النقاء والتعبير الحقيقى عن رغبه شعب فى الكرامة والعزة والتغيير إلى الأفضل.
قال شاب آخر: لقد شاهدتك فى اليوم الأول للثورة على التليفزيون مع منى الشاذلى، وفى حضور د. أسامه الغزالى وغيره، تقول: علينا أن نستمع للشباب لا أن نهاجمهم. علينا أن نستوعب غضبهم وآمالهم لا أن نعاقبهم، ولقد شجعنى ذلك وأنت كنت من قيادات الحزب الحاكم أن أنزل إلى الميدان بطاقة إيجابية.
قالت الشابة الحزينة: ولكننا خُدعنا فى الكثيرين ممن كانوا حولنا، اللى طلع متدرب فى أوروبا الشرقية، واللى طلع إخوانى متخفى، واللى طلع عميل مخابرات، ولم نسأل أنفسنا وقتها أين يأتى الأكل والشرب ومصاريف الإقامة واليافطات وتنظيم الدخول والخروج من الميدان. دى كانت ساحة حرب يا دكتور. ولم نسأل أنفسنا مين اللى بينظموا ويدخّلوا ويخرّجوا ويقسّموا ويكتبوا الشعارات، ولم أكن أريد سوى متعة التواجد الإنسانى مع المصريين فى التعبير عن رغبتنا فى تغيير تأخر وحرية كنت أظنها مكبلة. إننا وكأننا عملنا ثوره لنهديها إلى الإسلام السياسى ثم نعود كما كنا.
قال شاب آخر: ساعات أحس أن الشعب يُعاقَب على ثوره يناير، حتى لا يكون لها مثيل مرة أخرى أبدًا.
قال آخر: لا تنسَ أن الفوضى أدت إلى خسارة مصر المليارات وتوقفت التنمية تمامًا وانهار الاستقرار لسنوات، ونحن لا نريد تكرار ذلك.
وانتفض واحد من المحيطين بى قائلا: هوه إحنا كنّا غلط بالشكل ده، أنا كان عمرى وقت الثورة ٢٤ سنة والآن أنا فوق الثلاثين، قضيتى دلوقتى ألاقى شغل محترم بمرتب أكبر، وشقة أسكن فيها، وأكوّن أسرة صغيرة يمكننى إعالتها، ولا عاوز ثورات ولا عاوز انتفاضات.
ابتسمت لهم قائلا: كل اللى بتقولوه صحيح وغلط فى نفس الوقت. ٢٥ يناير كانت انتفاضة شعب، وكان لابد أن تنتهى بتغيير جوهرى فى طريقة إدارة البلاد. الدرس اللى أنا اتعلمته هو أن الثورات تحدث عندما ينقطع الأمل فى إحداث حركة وتغيير يمس حقيقة احتياج الجماهير بالطرق الشرعية. الثورة هى فى التعريف الأكاديمى عمل غير شرعى ضد نظام قائم. إذا نجحت أصبح النظام مجرمًا ومتهمًا ومذنبًا، وإذا فشلت أصبح الثوار مجرمين وخارجين على النظام. الأبطال والمجرمون يغيرون أماكنهم لأن من يكتب التاريخ هم المنتصرون فقط.
إن واقع الحياة الذى آمنت به وتأكد إيمانى به بعد يناير أننا أحيانًا نحتاج إلى هزة وإفاقة، ولكننا لا نحتاج إلى هدم وفوضى. إن الحكم الرشيد يتيح التغيير من داخله، وبرؤية معلنة، ويسمح بالتداول السلمى للسلطة بدون ثورات.. الحكم الرشيد يستمع إلى المختلفين معه، ويتحاور مع من له وجهة نظر مختلفة، ولابد له من خبراء ومستشارين سياسيين يقومون بذلك له وعنه. والمؤسسات الأمنية عليها أن تحمى ذلك لا أن تمنعه، لأنها لا تحمى نظامًا قائمًا بعينه ولا شخصًا بذاته بل تحمى دولة تتغير فيها النظم.
قال شاب آخر: ولكننا نفقد الأمل شيئًا فشيئًا، ومجموعات الشباب التى اقتربت من السلطة أخذت الفرصة، والتى لم تفعل يتم إحباطها.
وقالت شابة أخرى سياسية النزعة وتنتمى إلى حزب سياسى: حزب مستقبل وطن يحضر احتفالاته المحافظون، ويحظى بالتأييد والتمويل والمساندة من أجهزة الدولة وكأنه الحزب الحاكم. بل إن الكثيرين منا يشعرون بالضغط للانضمام إليه وإلا نفقد مميزات تتيحها الدولة للشباب.
قلت: استمعوا إلىّ وأنصتوا، إن الفراغ السياسى خطر كبير، وإذا لم تملأه حركة سياسية واعية، وأحزاب تستطيع الحصول على مقاعد فى البرلمان ستملؤه الفوضى أو منظمات الإسلام السياسى بأجنحتها المختلفة، ونعود إلى نقطة الصفر. أى فراغ فى المجتمع سيتم استيعابه بشكل من الأشكال. عندما فشلت الدولة فى التخطيط العمرانى تم ملء الفراغ بالعشوائيات، وعندما تدنى مستوى التعليم وأخطأت الدولة فى جعل الشهادة وليس المعرفة والمهارة هى الهدف، امتلأ الفراغ بالدروس الخصوصية والفساد، ودخلت المعادلة التعليمية مناهج التطرف واختل بناء الإنسان، وعندما لم تحقق الدولة وتوفر للمواطنين مواصلات عامة محترمة تحقق احتياجاتهم، ملأ الفراغ التوك توك والسرفيس والفوضى.. هكذا فى كل مجال، حتى فى حياتنا الأسرية، إذا لم تملأ المدرسة والجامعة والمنزل حياة الأطفال والشباب بالرياضة، ممارسةً ومتعةً، والمسابقات والنشاط الفنى والثقافى، سيملأ الفراغ الإدمان والتطرف.
لذلك فإن تدخل الدوله بأجهزتها لتملأ الفراغ السياسى فى مرحلة ما كان ضروريًا ومفهومًا، ولكنه تدخل مرحلى، وعليها أن تفهم أنه غير مستدام، وأن التوازن بين التنظيم والتحكم يحتاج عقولًا وفلسفة وليس مجرد إجراءات.
قال الشاب الذى كان ثوريًا وأصبح الآن عضوًا فى التنسيقية، وهو التنظيم المشابه لمنظمة الشباب فى الستينيات، وتديره بعض أجهزة الدولة لملء الفراغ السياسى بغياب الأحزاب وعدم تمكينها، قال: هل أصبحت الأحزاب موضة قديمة وليس لها لزوم فى الدول النامية؟
قلت: لقد فقدت الأحزاب أهميتها كأداة للتنظيم وتعبئة الناخبين وجمع التبرعات بسبب إمكانية قيام المرشح بهذه الأمور بشكل مباشر عبر السوشيال ميديا. كذلك هناك تراجع فى أهمية الأيديولوجيا كإطار لتجميع المواطنين لعمل سياسى أو اجتماعى. وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم، أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التى يتبناها أى حزب. ولكن من ناحية أخرى فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم ترتبط بوصول الأكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صناع القرار، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء. باختصار فإننى أرى أن الجيل الجديد للديمقراطية يجب أن يركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم.
– كفاءة الحكام على كافة مستويات الإدارة.
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.
– نظام عدالة مستقل وفعال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال).
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين القدرة على اختيار الأفضل.
قاطعنى واحد من الشباب قائلا: ولماذا تفشل الديمقراطية فى الدول النامية وتنجح فى دول أخرى؟
قلت: الديمقراطية تفشل فى أغلب الدول النامية وتنتهى حياتها بحكم عسكرى أو دينى. بل هناك اعتقاد أن الشعوب الفقيرة الجاهلة تحتاج للديكتاتورية لتعيش وهو ما أراه خطأ وخطيئة، لأن فى الديمقراطية كثيرًا من الديكتاتورية التى تحتاجها الشعوب، ولكنها ديكتاتورية القانون وليس الفرد. البديل للفوضى الناشئة من حرية بدون تطبيق القانون ليس بديكتاتورية فرد أو جماعة بل السعى لتلازمهما بقوانين عادلة تُطبق على الجميع. الديمقراطية بجناحى تداول السلطة وحكم القانون هى البديل الذى يجب أن تسعى إليه الشعوب وليس تسليم نفسها للفوضى أو لديكتاتورية جماعة، كما حدث بعد ثورة يناير للأسف.
أنا واثق أيها الشباب أن السنوات القادمة ستشهد حوارًا إيجابيًا بين كافة الأطراف، لأن مصر جميلة وتملك مقومات حضارة ظهر معدنها فى بداية ثورة ٢٥ يناير، وفى ٣٠ يونيو، ولأنه تملؤنى الثقة أن قيادة البلاد كما ظهر وعيها فى تقدير الخطر على أمن مصر، عندها الوعى لرؤية أهمية الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة التى نسعى إليها، والتداول السلمى للسلطة، وأن ذلك لا يتم بإعادة فعل نفس الأخطاء السياسية فى انتظار نتائج مختلفة.
يا شباب، بلادنا الجميلة تحتاج طاقتكم الإيجابية، وتحتاج مشاركة وبناء بكل أطيافها، والصورة لا تكتمل بلون واحد بل بألوان متعددة

التعليقات

التعليقات