الجمعة , 21 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / ثورة يناير وديمقراطية الجيل الرابع

ثورة يناير وديمقراطية الجيل الرابع

اجتمع شباب الحالمين بالغد حولى، وقالوا: نحن فى يناير يا دكتور بعد مرور عشر سنوات على الثورة التى هزت كيان البلاد، أَمَا آن الأوان لتحليل حقيقتها وأثرها، ومعرفة ماذا تحقق من هتافات الشباب وقتها قبل اختطافها رغبةً فى حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية.
تنهدت وقلت: تعالوا نَعُد للتاريخ الأبعد لنعرف موضع ما حدث فى إطار تحقيق الديمقراطية، ثم نعود إلى تفاصيل أحداث يناير ٢٠١١ فى الأسابيع القادمة.
إننا إذا رجعنا إلى تاريخ الثورات الاجتماعية أو السياسية، فلا نستطيع أن نرى حركة يصدق عليها أنها حركة «حقوق إنسانية» بمعنى من معانى هذه العبارة كما نفهمها فى العصر الحاضر. فربما كان بينها ما يسمى «حركات الديمقراطية» فى اليونان، التى فسر فيها استخدام كلمة ديمقراطية على أنها من حركات الشعوب والحقوق الإنسانية، ولكنها ليست كذلك حتى فى دلالتها اللفظية. فكما يقول الأستاذ العقاد: إن النظام الديمقراطى فى اليونان كان يُطلَق على الحكومة التى تشترك القبائل فى انتخابها، ولم يكن اشتراكها فى الانتخاب اعترافا بحق إنسانى يتساوى فيه أحاد الناس، وإنما كان اعترافا بالقبيلة واتقاء لمعارضتها عن العمل فى الجيش.
وقد توالت على اليونان والرومان أنواع من الحكومات الديمقراطية، لم يكن لها من مبدأ تقوم عليه غير أنه خطط عملية لدرء الفتنة واستجلاب الولاء من المجندين للجيش والأسطول من أبناء القبائل وأصحاب الصناعات.
وسوف نعتبر ذلك الجيل الأول من الديمقراطية.
أما الحقوق الإنسانية والانتخابية التى نشأت فى الديمقراطية الغربية فى أواسط القرن العشرين، فقد تدرجت فى التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين، فنالها العمال فى البلاد الصناعية قبل أن ينالها الزارع، ونالتها المرأة بعد أن أصبحت عاملة فى المصانع تنوب عن الجنود فى الحرب، ونالها الملونون فى الولايات المتحدة بعد اضطرار الدولة إلى خدماتهم فى المجتمع وفى الجيوش على التدريج فى الحربين العالميتين، ونالتها الشعوب المختلفة نتيجة للضغوط المتبادلة والصراعات بين الطبقات للوصول إلى صيغة سياسية معينة يرتضيها كل الأطراف.
وسوف نعتبر ذلك الجيل الثانى من الديمقراطية.
أما الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ وليست خططًا عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة، والمسؤولية الفردية، وقيام الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات… وهى العناصر التى ننادى بها كمبادئ عامة وليست اضطرارًا لواقع انتخابى أو خدمة فى الجيوش، ولكنها تمثل إيمانًا حقيقيًا بكيفية العدالة فى الحكم اعترافا بحقوق المواطنين، بغض النظر عن مستواهم التعليمى أو موقعهم الاجتماعى.
وسنعتبر ذلك الجيل الثالث من الديمقرطية.
ولكننا نلاحظ ونحن ننظر إلى الديمقراطية الغربية من الجيل الثالث وما يطبق منها فى دول العالم، خاصة الدول النامية، أن هناك كثيرًا من التناقضات بين الفلسفة والواقع، وتجبر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها، على أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندعى ونقول، فالأكثر تعليمًا والأكثر ثراءً والأكثر انفتاحًا على العالم يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجيا، وتضيع فى كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية التى نبتغيها من الحكم الرشيد. ديمقراطية الجيل الثالث نجحت جزئيا فى أوروبا وأمريكا الشمالية ولكنها فشلت فى تطبيقها فى الدول النامية والفقيرة.
ويبقى السؤال عن كيفية الوصول إلى ديمقراطية الجيل الرابع التى تحقق أهداف الديمقراطية، وتجنب واقع ما حدث ويحدث فى دول العالم النامى من بدائل.
من يقرأ التاريخ لا يتوه، والمجتمع الإنسانى على اختلاف جغرافيته وثقافاته لا تزال احتياجاته الأساسية للتقدم مشتركة، وأيضا عوامل نجاحه أو فشله متوافقة، والتاريخ يقول إن جميع النظم الدينية أو العسكرية أو الفئوية مهما أجزت فى لحظات، فهى كمن يبنى قصرا من رمل على الشاطئ، تنتهى فى الأغلب إلى انتهاكات للحريات أو انقلابات أو حروب أو ثورات أو اغتيالات تهدم ما تم إنجازه، وتعود بالبلاد إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
بعض الدول قامت بما يسمى «الديمقراطية الدفاعية»، وهى حالات شاذة تضطر الديمقراطية فيها إلى اللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية، والتى تمس حقوق وحريات المواطنين، ومبادئ ديمقراطية من أجل الدفاع عن نفسها من قبل مجموعات غير ديمقراطية تهدد كيان الديمقراطية وتهدد أمن الدولة.
فلسفة الديمقراطية الدفاعية هى حماية النظام الديمقراطى ومبادئه وطابع الدولة المدنى من أى إنسان أو مجموعة ينشطون فى الحيز الجماهيرى العام ويستغلون الأدوات والوسائل الديمقراطية من أجل القضاء على النظام الديمقراطى أو طابع الدولة المدنية، مثل منع الأحزاب الدينية من ممارسة النشاط السياسى، أو فى القواعد القانونية التى تضبط الانتخابات، مثلما أقر مؤسسو الدولة فى الولايات المتحدة فى دستورها، أو كما قامت به دول مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل لحماية فلسفة إنشائهما.
إننا يجب أن ندرك أن كل ظروف الإنسانية تغيرت، والعالم حولنا يتبدل، ولابد أن نربط الجيل الرابع للديمقراطية بمتغيرات العصر.
إن النموذج الديمقراطى حتى فى تطبيقه الحالى فى الغرب هو محل مراجعة، نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات التى كسرت الحواجز بين المواطن وصانع القرار، وأتاحت فرصة للتواصل المباشر بينهما.. ربما دون حاجة لوسيط مثل الأحزاب، بل فقدت الأحزاب أهميتها كأداة للتنظيم وتعبئة الناخبين وجمع التبرعات بسبب إمكانية قيام المرشح بهذه الأمور بشكل مباشر عبر الإنترنت. كذلك هناك تراجع فى أهمية الأيديولوجية كإطار لتجميع المواطنين فى إطار عمل سياسى أو حزبى. وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم effectiveness، أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التى يتبناها النظام. ولكن من ناحية أكبر، فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم ترتبط بوصول الأكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صانع القرار، وتحديد فترات للحكم term limits لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء.
باختصار، نرى أن الجيل الجديد للديمقراطية يجب أن يركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم.
– كفاء الحكام.
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.
– نظام عدالة مستقل وفعال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث هنا فى هذا المجال).
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين اختيار الأفضل.
قاطعنى واحد من الشباب قائلا: لماذا تفشل الديمقراطية فى الدول النامية؟
قلت: الديمقراطية تفشل فى أغلب الدول النامية، بل يعتقد الكثيرون الآن أن الشعوب الفقيرة الجاهلة تحتاج للديكتاتورية لتعيش.. وهو خطأ وخطيئة.. لأن فى الديمقراطية كثيرًا من الديكتاتورية التى تحتاجها الشعوب، ولكنها ديكتاتورية القانون وليس الفرد. البديل للفوضى الناشئة من حرية دون تطبيق القانون ليس بديكتاتورية فرد أو جماعة، بل السعى لتلازمهما بقوانين عادلة تطبق على الجميع. الديمقراطية بجناحى تداول السلطة وحكم القانون هى البديل الذى يجب أن تسعى إليه الشعوب.
أجنحة مصر للتطور والتنمية يجب أن تكون فى التعليم والعدالة وحكم القانون وتداول السلطة.
كل شىء يأتى ببساطة إذا كانت هذه الأجنحة هى البنية الأساسية للتطوير، وهى أشياء لا تحققها الثورات المليئة بالانفعالات، ولكن يحققها الحكم الديمقراطى بأجنحته.. وهو موضوع حديثنا حول ثورة يناير الأسبوع القادم.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠