الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / صحافة / حوارات صحفية / حوار التحرير: حسام بدراوي: الدولة تضع المختلف معها في «مربع الأعداء»

حوار التحرير: حسام بدراوي: الدولة تضع المختلف معها في «مربع الأعداء»

** لا يمكن أن نقول نحن دولة مدنية حديثة ونسجن الناس على الرأي

** الشعب لن يقبل تحت أي ظرف مد فترة الرئاسة

** لا أستطيع أن أعفي السيسي من مسئوليته عن السلبيات لأن كل الخيوط في يده

** البرلمان أعطى إحساسًا للشعب بأنه في «جيب الحكومة»

** لم يُعرض عليَّ منصب وزاري في التعديل الأخير..  وأتشرف بخدمة بلدي في أي منصب

** مبارك قال لي أثناء الثورة «لن أسمح بالاعتداء على متظاهر».. و«مافيش حاجة اسمها عودة رجال الحزب الوطني»

** توقعت براءة مبارك من «قتل المتظاهرين».. وتحركات علاء وجمال وسط الناس «أمر طبيعي» “السياسي الإصلاحي..

المغرد خارج السرب.. صوت المعارضة داخل الحزب الوطني”، ألقاب اقترنت باسم المفكر السياسي ورئيس جمعية “تكاتف للتنمية” الدكتور حسام بدراوي، الذي حمل على عاتقه مهمة التغيير داخل الحزب الوطني في أدق وأخطر الفترات التي شهدتها مصر خلال فترة ثورة 25 يناير، إلى الحد الذي اعتبره البعض أنه يسبح ضد التيار من أجل المطالبة بالتغيير.

لسنوات طويلة رفع بدراوي شعار”التعليم طوق النجاة” كوسيلة للتغيير، وظل مهمومًا بهذه القضية، متحدثًا عن أهميتها في كل المحافل والمناسبات الدولية، معتبرًا أن التعليم أمل الدولة في الإصلاح الحقيقي. شغل العديد من المناصب في مجال تطوير التعليم والبحث العلمي وتقلد العديد من المناصب العلمية الرفيعة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الدولية. محطات عديدة شهدت على مشوار بدراوي طوال حياته، منذ أن بدأ لاعبًا ناشئًا في صفوف النادي الأهلي، لتأتي كلية الطب وتنهي مستقبله الكروي، حتى استقر قطار حياته في محطة السياسة. “التحرير” أجرت حوارًا مع بدراوي، للتعرف على رؤيته للوضع السياسي الراهن، وشهادته على فترة الرئيس الأسبق مبارك، ورؤيته لحال التعليم فى مصر بعد 6 سنوات من ثورة يناير وعن تقييمه لأداء البرلمان والحكومة.. فإلى نص الحوار:

** بداية.. كيف تنظر إلى الوضع السياسي في ظل المتغيرات الراهنة؟

يجب أن نعي فى البداية أن مصر مرت بأزمة طاحنة خلال السنوات الست الماضية، أحدثت تدهورًا على صعيد الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخدمية، ولأن مصر دولة كبيرة وعميقة وليست صغيرة فلا يُعقل أن تبدأ من البداية ومن مرحلة الصفر، وللأسف كلما أرادت الدولة التفكير في شيء جديد خارج الصندوق نجد البيروقراطية على اتساع مساحتها مع كثير من الفساد تعوق هذا التقدم، لذا فالدولة يجب أن تكون جادة في خلق توازن حقيقي بين البدء من جديد وتخطي البيروقراطية العميقة.  وأريد هنا أن أؤكد أن أي دولة حدثت بها أزمة اقتصادية كبيرة مثلما حدث في مصر خلال السنوات الماضية عليها أن تركز على تطوير البنية التحتية لأنه أكثر مجال ينفق فيه العديد من الأموال ويسمح بتشغيل أكبر قدر من العمالة، لكن العيب الوحيد في تلك المشاريع أن أثر الإنفاق لا يظهر اليوم ولكن في المستقبل، فحينما نقول إن الدولة تقوم حاليا ببناء مطارات وكبارٍ وطرق ومحطات صرف صحفي وموانى فالعائد على المواطن البسيط لن يكون محسوسًا، ولكن بدون هذا الأمر لن يكون هناك استثمارات وهنا يأتي دور العمل السياسي، والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل ما يتم صحيح؟ أقول “نعم”، لكن هل ما يتم يصل سياسيا للناس لكي تستطيع أن تتحمل، فأنا لدي شك حقيقي في ذلك.

** من وجهة نظرك.. ما السبب وراء ذلك؟

السبب الرئيسي من وجهة نظري وراء ذلك، أن الحكومة الحالية ليست سياسية ولكنها حكومة تكنوقراط، لا تكلم الشعب أو تشرح له ما تفعله بشكل كاف، وهو من الناحية الأخرى لم يعد يستمع إليها، وقد يكون الوحيد الذي يفعل ذلك هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأعتقد أن هذا الأمر يمثل عبئًا إضافيا على الرئيس، لأن هذا العبء كان من المفترض أن يكون موزعًا على حكومة اقتصادية اجتماعيه كبيرة، وعلى البرلمان الذي يمثل صوت المواطن. وأعتقد أن هناك حالة واسعة الانتشار من عدم الرضا عن الأداء السياسي للدولة، فالمؤسسة الحاكمة الآن وهي الحكومة والمؤسسة الرقابية وهي البرلمان، لا يستطيعون تحقيق القدر الكافي من العمل السياسي الذي يرضي المواطن البسيط، وإذا افترضنا أن الحكومة والبرلمان حاليا يقومون بعمل جيد، فمردود هذا العمل لم يصل إلى المواطن حتى الآن، وأعتقد أن هذه هي الحلقة السياسية المفقودة في مصر.

** هل أفهم من كلامك أن فشل مؤسسات الدولة في تسويق ما تقوم به هو السبب الرئيسي في تلك الفجوة؟

العمل السياسي هو تسويق الأفكار وإقناع المواطن بالمشاركة والقبول، وأحيانا قد يصل الأمر لمحاولة إقناع المواطن بما لا يستفيد منه في اللحظة الراهنة ولكن سيستفيد منه مستقبلًا، فالسياسية نوع من التسويق للأفكار، ولكن لكي تنجح يجب أن يشترك الناس ويصدقوك، ولا بد أن تكون صادقًا لكي يكون لديك مصداقية فيما تقول فيما بعد، وأتصور أن هذا الأمر يتعلق بثقافة المجتمع التي تتصور أن كل شيء قد يحدث سريعًا، وحقيقة الأمر أنهم يسمعون وعودًا كثيرة ولكن لا تنفذ، وتكرار تلك الوعود دون تحقيقها قد ينتهي إلى عدم تصديق المسئول، وهنا تأتي فكرة العمل السياسي التي تعتمد على التسويق لفكرة جيدة وصادقة تقنع الجماهير وتجعلهم يعملون معك.  وأدلل هنا بمثال: “لا يختلف أحد على أن الدروس الخصوصية أصبحت تمثل بوابة للفساد، ولمدة 20 عامًا مضت نقول إننا سنقضي على الدروس الخصوصية ولكن الظاهرة مستمرة حتى الآن، إذن لو خرج المسئول حاليا وقال سنقضي على الدروس الخصوصية، فهل سيصدقه أحد؟، بالقطع لا”، وعدم تصديق كلام المسئول سيجبر المواطن على الذهاب لتلك الوسيلة لأنه يراها الأنسب لإنجاح أولاده، لذا ما أريد التأكيد عليه، أن المسئول إذا خرج وقام بأمر وفعله وصدقه الناس سيقفون خلفه ويدعمونه بكل قوة، ويجب أن نضع في اعتبارنا ان مهمة البرلمان الرئيسية هي تمثيل الشعب في مواجهة الحكومة وهي لا تعني النقد فقط، ولكنها لا تعني بالقطع أيضًا الموافقة فقط. ** تقصد أن الرئيس يعمل منفردًا في ظل ضعف أداء الحكومة والبرلمان؟ الظاهر لي كمواطن أن الرئيس يعمل بمجموعة صغيرة من معاونيه خارج الحكومة، وأدلل على ذلك بأن كل قرار يجب العودة فيه إلى الرئيس، والمجتمع من ناحية أخرى يحمل الرئيس كل الأخطاء ويضيف إليه كل المكاسب، وبذلك فإن سلبيات الحكومة والبرلمان تقع على عاتق الرئيس إلا أنني لا أستطيع أن أقوم بإعفائه أيضًا من مسئوليته في تلك السلبيات لأن كل الخيوط أصبحت في يده.

** كنت مهمومًا بقضية التعليم طوال السنوات الماضية كيف ترى الوضع حاليا؟

أنا رجل متفائل بطبعي، والعالم كله يتغير فى منظومة التعليم ويغيرها، لأن هناك مستجدات جديدة أبرزها أن المعارف أصبحت متاحة، والأهم من وجهة نظري أن أطفالنا مولودون رقميين، يستخدمون التكنولوجيا ونحن نقف مع باقي أطياف العالم في انطلاقة جديدة، وهذه فرصة في رأيي، ونحن ليس لدينا مشكلة في التعليم ولكن لدينا أزمة حقيقية في إدارة التعليم. وأرى أن التلاميذ والأطفال المصريين إيجابيون للغاية وبهم أمل، ولديهم استعداد للعمل، وعلى عكس ما يقوله البعض بأن مناهجنا غير جيدة، فالمناهج جيدة ولكن وسيلة توصيل المنهج غير جيدة، وقضيتنا الرئيسية في مصر هي الإدارة المدرسية بمعنى أن الأطفال إذا كانوا رقميين فالمدرسون أيضا لا بد أن يكونوا كذلك بل أفضل منهم، فلا نستطيع أن ننقل طفلا انتقالًا كبيرًا والمدرس غير مؤهل لذلك، والتحدي الحقيقي هو تأهيل هؤلاء المدرسين من خلال التدريب الجيد، وأقولها صراحة “لو انتقلنا إلى التقويم الرقمي المحايد كل ذلك سينصلح لوحده، لأن الطلبة والأطفال كويسين والبرامج التعليمية ليست بالسوء الذي نتحدث عنه”.

** كيف رأيت اختيار طارق شوقي وزيرًا للتعليم وخالد عبد الغفار وزيرًا للتعليم العالي؟

متفائل للغاية، باختيار الدكتور خالد عبد الغفار لمنصب وزير التعليم العالي، وأسمع عنه وأعرفه جيدًا، أما طارق شوقي فهو رفيق مسيرة طويلة في التعليم، تشاركنا ونتكلم نفس اللغة في التطوير، وأرى أنه فرصة جيدة لتطوير التعليم في مصر، ولكن القضية ليس في محتواه ولا فكرته ولكن في الأفكار التي نتحدث عنها، وأرى أن وزارة التربية والتعليم من وجهة نظري هي أصعب وزارة في الإدارة لأنها أكبر وزارة تُعين أشخاصًا وأكثر وزارة بها بيروقراطية وقد يكون فيها الكثير من الفساد، والمسألة لطارق أشبه بتحدٍّ وأثق من نجاحه في التطوير وإدارة العملية التعليمية على النحو الأمثل، ولكنه بحاجة لمساندة سياسية وصبر من الناس وأنا أشفق عليه، لأنه دخل في “عش الدبابير”.

** ما حقيقة رفضك عرضا بمنصب حكومي في التعديل الوزاري الأخير؟

أنا أخدم بلدي في أي مكان وفي أي وقت، وما حدث معي هو استقصاء رأي حول قضية التعليم، وقد يكون ما قلته أو ما أقوله غير ملائم للحكومة الحالية، والأمر طرح علي قبل التعديل الوزاري الأخير، ولكن لم يحدث رفض من جانبي، وأقولها صراحة “في كل تغيير وزاري المجتمع هو من يقوم بترشيحي فأنا ترشيح مجتمعي ولست ترشيحًا حكوميٍا وهو شيء يشرفني ولكن فى نهاية الأمر لم يعرض علي أية مناصب فى التعديل الوزاري الأخير لأرفضها”.  وقد تكون رؤيتي غير متوافقة مع الحكومة الحالية، لكني واثق بأن الدكتور طارق، وهو متوافق معي فى الفكر، أنه سيفعل أفضل مما كنت سأفعله لو كنت وزيرًا في الحكومة الحالية. ** أفهم من ذلك أنك لن ترفض أي منصب وزاري حال عرضه عليك؟ لن أرفض أي منصب وزاري حال عرضه عليّ، ولا يستطيع وطني أن يرفض خدمة بلده، ولكن الفكرة الرئيسية أنه حينما يعرض عليك أمر يجب أن يكون هناك اتفاق على الفريق الذي تلعب معه لأنك لست لاعبًا بمفردك، ويجب أن يكون لهذا الفريق فكرة، وإذا لم يكن هناك الفريق المتكامل والفكرة الواضحة، فمهما كنت لاعبًا ماهرًا فلن تكسب، وتصوري أن الحكومة ليست أفرادًا ولكنها تكوين متكامل تعمل من أجل هدف تسعى لتحقيقه، ولكن إذا كنا نبحث عن وزراء وتغيير أسماء فقط فمن الوارد ان يكون العمل ممتازا ولكن لا يستطيع تحقيق ما يراه لأنه لا يوجد فريق قادر على تحقيق هذا الأمر، فالمسألة أكبر من اختيار شخص.

** من وجهة نظرك ما السبب وراء تراجع أداء الحكومة الحالية؟

أولا، لا أحب أن أحكم على أداء بدون معايير معلنة وبعد مرور وقت مناسب، لكن بـشكل عام أعتقد من وجهة نظري، أن هناك انطباعًا، قد يكون خاطئًا، بأن الحكومة يغيب عنها المايسترو، الذي لا بد أن يكون لديها نوتة موسيقية، فأنا أشعر بأن كل وزير يعزف نغمة بلا قائد “أوركسترا” لا يحقق شيئا فى النهاية، رغم أننى شخصيا أرى أنهم لديهم نوتة موسيقية ولكن على المنظور السياسي الشعب لا يعرف تلك النوتة.  ودعني أؤكد “أنه لا يجوز أن نقف فى المنتصف، ماينفعش نعمل الحاجة وضدها، ماينفعش نقول للناس هنخلق فرص عمل وإحنا بنعوق الاستثمار، ماينفعش نقول الاستثمار مش هيحصل غير في القطاع الخاص وهو متهم، ماينفعش أقول أنا دولة مدنية حديثة وإحنا عندنا أحزاب دينية ونسجن الناس على الرأي والنقاش، ماينفعش أقول إننا اقتصاد حر والدولة عايزة تتملك وتدير، وماينفعش أقول إننا بنحترم حقوق الإنسان وفي نفس الوقت ننتهك حقوق الإنسان في إطار توسيع الناحية الأمنية، تقول أنا عايز أرجع السياحة تاني ولا يوجد أي شيء تغير في ثقافة التعامل مع السياح”. كل هذه الأمور توازنات برز فيها أن الدولة تقف فى المنتصف، وتسعى لإرضاء كل الأطراف، وأعتقد أنه آن الآوان ألا نقف في المنتصف.

** البعض يرى أن الدولة تُرسخ لسياسة الصوت الواحد بدلالة التحقيق مع إبراهيم عيسى وإقصاء المعارضين عن الساحة، إلى أى حد تتفق مع هذا الطرح؟

من الواضح أن مساحة التسامح وقبول المختلف أصبحت أصغر، ومن يلعب وحده في ملعب من غير منافسة ينتهي به الأمر إلى أن أداءه وجودته أقل وتكلفته أعلى، مهما كانت نيات السلطة إيجابية ووطنية فسينتهي الأمر في السياسة إلى نفس المربع، وأقولها صراحة: نعم، نحن دولة مساحة الاختلاف فيها أصبحت محدودة للغاية، وكلما كانت المساحة أقل كلما كان المختلفون أكثر عنفا وتطرفا، وليس معنى ذلك ان كل معارض نيته سيئة، ولكن يجب ألا نأخذ الكل بأخطاء الجزء، فيجب أن يكون لدينا مساحة لقبول الآخر، وأرى أن الحكومة ترى أن المختلف معها جزئيا فى مربع الأعداء، وهو تصرف غير سياسي وغير حكيم، وعلى الجانب الآخر من يُعارض لا يعطي بدائل ولكن يعلن اعتراضه فقط، وللأسف لا توجد بدائل سياسية أمام المجتمع والمسألة أصبحت بشكل تدريجي تسير فى إطار “مع أو ضد”.

** بحكم خبراتك السياسية كيف ترى تحركات مصر على المستوى الخارجي؟

أعتقد أن السيسي يكتسب يومًا بعد الآخر مصداقية دولية لمصر، والفكرة الرئيسية لدى الغرب حول نظام الحكم في مصر أنه نظام انقلاب عسكري، ولكننا نراه أنه استدعاء من الشعب ينتهي بانتخاب الرئيس، وكان الواضح للجميع أن الغرب “قافل علينا مية ونور” اقتصاديا وسياحيا، وأعتقد أن الانفتاح الحالي بزيارة ميركل للقاهرة والتحضير للقمة المصرية الأمريكية المرتقبة، قد يحمل في طياته انفراجة اقتصادية، وهذا أمر جاء نتيجة علاقة خارجية بها تدبير وتنسيق. وأريد أن أشير إلى أن أكثر ما يشغلني فى جزئية القمة “المصرية – الأمريكية” المرتقبة، أن ترامب رجل أعمال ولا يعطي بلا ثمن وأعتقد أن مستشاري الرئيس السيسي السياسيين لا بد أن يضعوا كال الاعتبارات لما سيطلبه ترامب من مصر في مقابل ما سيقدمه، ويكون الرئيس وفريقه لديهم سياسة لاحتمال ما سيطلب منهم، ولا يخفى أن لدينا خارجية واستخبارات محترمة قادرة على أن تضع تلك الاعتبارات في الأذهان، وأتمنى أن يعتمد الرئيس على شعبه فيما سيواجه من طلبات الأمريكان، ودعني هنا أضع على سبيل الافتراض: أن إسرائيل ما زالت المتحكمة في السياسة الخارجية الأمريكية، واحتمال أن تطلب أمريكا بعض التنازلات الجغرافية من مصر لصالح الدولة الفلسطينية مثل غزة وجزء من شمال سيناء، إذن أتمنى أن يعتمد الرئيس على شعبه فى هذا الأمر وأن يكون على استعداد تام لهذا الشيء، وقد يتطلب الأمر تنظيم وقفات للتعبير عن الاحتجاج الشعبي ضد هذا الأمر، بحيث حينما يتفاوض الرئيس يقول لأمريكا إن الشعب رافض هذا الأمر، فأنا أبحث عن علاقة تكافلية أقوى فيها ظهر المفاوض دون هدمه، ولا نعطى فرصة للهجوم عليه، والفكرة الرئيسية أن يتحرك الرئيس في إطار التأييد الشعبي لكى يكون مفاوضا أقوى إذا تم الضغط عليه.

** أفهم من مغزى حديثك أن النظام الحالي فشل في التعامل مع قضية “تيران وصنافير”؟

صحيح، أعترف بذلك، ويجب أن نتعلم من الدرس، وأقولها صراحة من الناحية القانونية المحكمة الإدارية حكمت بمصرية “تيران وصنافير”، ولكن بما أنني لا أملك الوثائق كشخص ولم أطلع عليها وغير عالم بالتفاصيل فسآخذ حكم المحكمة على أنه عنوان الحقيقة.

** حذرت أكثر من مرة من خطورة تزايد السكان فما دلالة هذا الأمر؟

أريد هنا أن أشير إلى أن مصر بلد غني وليس فقيرا، ولو نظرنا في الناتج القومي المصري ستراه يقع فى المرتبة الثالثة في ترتيب الناتج القومي العربي، وهذا الأمر لم يأتِ من مصدر ثروة ولكنه من عمل المواطنين أنفسهم، لكن في نفس الوقت التعداد الذي يزيد يقسم الثروة على عدد أكبر من الناس، وحينما نتحدث عن السكان يجب أن نتكلم عن العناصر الرئيسية الثلاثة المتمثلة في العدد والنوعية والتوزيع السكاني، فإذا تركنا الأمور على ما هي تسير عليه حاليا سيكون عددنا 180 مليونًا في 2050، لذلك فنحن بحاجة إلى مدارس وفصول ورعاية صحية وبنية تحتية ومياه وطاقة، وأي حكومة اليوم من المفترض أن تعمل عليه، وبدون توفير هذه المنشآت مهما كانت التنمية فلن يشعر بها الناس، ونحن اليوم في القاهرة والريف مكدسون في مناطق صغيرة، لذلك يجب أن يختلف التوزيع السكاني، فيجب أن يكون هناك عقل في الدولة يجذب السكان بأشكال مختلفة، وحينما أنظر للخريطة كسياسي أرى أن مسألة النمو السكاني التي ستحدث شئنا أم أبينا يجب أن يكون نوعية السكان مصدر ثروة وليس عبئًا علينا أو فقرا، فيجب أن يُعاد النظر في قضية التوزيع السكاني بشكل كبير.

** هل تعتقد أن العاصمة الإدارية الجديدة تحقق ما تتمناه في هذا السياق؟

نعم، ولكن يظل مشروعًا واحدًا فقط في إطار الجذب السكاني، ولكن هناك عده مشكلات تتعلق به، أبرزها أن المشروع لا يزال قريبا من القاهرة، وكنت أتمنى أن يتم إنشاؤه بعيدا عن القاهرة فى إطار الجذب السكاني وليس الدفع، فيجب أن نفكر بشكل إبداعي لنجعل الناس تخرج من الخيط الرفيع الذي نعيش فيه.

** البعض انتقد أداء الدولة في قضية نزوح الأقباط من العريش إلى الإسماعيلية، كيف تراه؟

أرى هذا الأمر من وجهة نظري، بمثابة مصيبة كبرى، لأنها تعني أن المتطرفين دينيًا والممثلين للفكر الداعشي والتطرف الديني، لديهم سيطرة على المنطقة، وهو أمر يزعجني بشكل كبير، فأنا أرى الأمر مخزيًا وغير مقبول، وأحمل الحكومة مسئوليته. ** هل كنت تتوقع براءة مبارك نهائيا فى قضية قتل المتظاهرين؟ بالطبع، كنت متوقعًا البراءة، وأؤكد أن من حق كل إنسان أن يقول عن مبارك ما يريد ولكنه لم يسمح إطلاقًا بقتل المتظاهرين، ومبارك قال لي شخصيا “لن أسمح بأن يصاب أي شخص من المتظاهرين”، وشئنا أم أبينا فهذا الرجل حكم مصر لمدة 30 عامًا، وله أفضاله وأخطاؤه و”ماينفعش لوجود خلاف معه أن نقوم بتلفيق اتهامات له، وطالما القضاء برأه يجب أن نحترم الحكم”.

** كنت شاهدا على فترة حكم مبارك وأطلق عليك البعض لقب “رجل العاصفة” وصدر كتاب بهذا الاسم.. فما شهادتك على كواليس تلك الفترة؟

أرجو أن نتخطى التفاصيل في تلك الفترة، لأنه أصبح لا قيمة لها في التاريخ، فأنا كنت موجودًا ولدي مساحة محددة من الرؤية، والشيء الأساسي الذي رأيته في تلك الفترة أن من خرجوا في 25 يناير من الشباب (ليسوا لأنهم يبحثون عن الأموال) ولكن خرجوا باحثين عن الكرامة والاحترام ومزيد من الديمقراطية والحرية السياسية، ولكن انقلبت الأمور رأسًا على عقب من وجهة نظري، وبالقطع التدخل المخابراتي العالمي كان مؤثرًا قويًا للغاية في الأيام الأخيرة فى تلك الفترة والتى انتهت بالفوضى والهدم وليس البناء، والدرس الذي تعلمته من “يناير” أنك تستطيع أن تخلق الانطباعات التي تخلق الثروات بغض النظر عن إن كانت صحيحة أو خيالًا، وأن وسائل الإعلام المحترفة قادرة على تسيير الجماهير فى اتجاهات بعينها، ولا توجد أشياء بريئة حتى لو كانت البداية بريئة، وأرجو أن نتعلم من درس “يناير” أن الحاكم لا يصح أن يستمر في حكمه لمدة طويلة بلا حدود لأنه بالقطع يخلق هذا الغضب، وإذا كنا غيّرنا المادة 77 من دستور 71 بشأن مدة الرئاسة، كان الأمر كافيًا أن ينقل المجتمع بأكمله نقله ديمقراطية حقيقية، ولم نكن بحاجة إلى حل الدستور وأن ندخل في إطار الفوضي. فالثورة من وجهه نظري هى تعبير غير قانوني وغير شرعي في لحظة الحدث لأن التعبير القانوني والشرعي أصبح غير متاح، وغير ممكن، فإذا أغلقنا على الناس الحق فى حرية التعبير عن الرأى فإننا نحركهم إلى الثورة.

** هل تقصد أن “يناير” كانت ثورة تحولت إلى مؤامرة؟

25 يناير كانت ثورة محترمة من الشباب الذي يبغي الحرية والكرامة، وبالقطع بعد الأيام التالية للثورة وخروج الرئيس من الحكم تحولت إلى شيء آخر، حيث اختطفها الأكثر تنظيما والأكثر إنفاقا واتصالا بالمخابرات الدوليه لينتهي الأمر بمن رأيناهم يحكمون في النهاية، وأتساءل: لماذا يوجد دستور لدى أي وطن؟، الإجابة: لأن الدستور هو أبو القوانين الذي ينظم العلاقة بين المواطنين، وقيمته الرئيسية أنه حينما يحدث خلاف بين أبناء الوطن، تكون المرجعية للدستور، ولكن الغريب أنه فى كل خلاف يتم حل الدستور، فهل هذا كلام منطقي؟! فحينما سقط مبارك تم حل الدستور، وحينما استدعى الشعب الجيش فى 2013 قمنا بحل الدستور، فما الضمانة لكون الخلاف القادم لن نحل فيه الدستور؟ فهل أصبح الدستور بلا قيمة، لا بد أن تكون رؤيتنا للدستور بها احترام حتى لو لم أرتضِه، وأقوم بتغييره في الإطار الشرعي، ورغم ملاحظاتي على الدستور الحالي فإننى سأظل أحترمه حتى يتم تغيير مواده، وأكثر ما يقلقني أن “فكرة لحظة الخلاف، نشيل المرجعية وهو الدستور هى فكرة انقلابية، لأن معناها أننى قررت أن أفرض رأيي على الجميع”.  وأقولها صراحة “بساطة حل الدستور عند حدوث أزمة أمر مريب، وأكثر ما يخيفني أن الدستور بداخله مواد لا تنفذ رغم موافقة الشعب عليه، مثل المواد التى تمنح 5 سنوات لتطبيق اللا مركزية، وحقيقة لا أجد شيئا حدث فى هذا الأمر، كما أن الدستور نص على أننا دولة مدنية حديثة، ورغم ذلك هناك أحزاب دينية، وكل هذه تناقضات غريبة”.

** أيدت المراقبة الدولية للانتخابات ورفضت التوريث وكنت الصوت المعارض داخل الحزب الوطني، لماذا قبلت بتولي منصب رئيس لجنة السياسات بالحزب؟

أكرر تأكيدي أنني أخدم الوطن في أي وقت، ورأيت في تلك اللحظة أنه جائز أن يكون وجودي وآرائي السابقة إشارة للشباب بأن هناك تغييرا يحدث وقد أكون نظرا لقربي من الرئيس والوصول إليه أن أمنع أحداثا دامية، وكان هدفي أن يحدث انتقال للسلطة في إطار من الشرعية، وحينما وجدت أنني لن أستطيع تحقيق الهدف قدمت استقالتي، ولو الثورة كانت فشلت كنت سأحاكم من رجال مبارك وهذه المسئولية تحملتها على عاتقي، وكنت أرى أنني أخدم بلدي فى هذا الوقت.

** هل أزعجك مطالبات البعض بمد مدة الرئيس السيسي؟

دعني أؤكد أن الرئيس السيسي والشعب لن يوافقا على هذا الأمر نهائيا، وكنت مقترحا على لجنة الخمسين التى أعدت الدستور فى خطاب رسمي صادر مني لعمرو موسى رئيس اللجنة آنذاك أن يضع مادة تنص على: “لا يمكن تعديل مادة فى الدستور يستفيد منها نظام الحكم الحالي”، وأعتقد أن المكسب الحقيقي الباقي من (يناير) حتى الآن، أن مدة الرئيس أصبحت محددة، وهذه المسألة لا رجعة فيها من وجهة نظري”.

** البعض فسّر تحركات جمال وعلاء مبارك وظهورهما في المحافل العامة بالرغبة في العودة إلى الساحة السياسية من جديد.. فما تعليقك؟

هما شخصان طبيعيان، ومن حقهما أن يعيشا حياتهما ولهما الحق في أن يتحركا وفق حريتهما، والشعب المصري يعشق المشاهير، وهما يتصرفان بشكل طبيعي، ولا بد أن نتخطى هذا الأمر بعد مرور 6 سنوات، ولا أعتقد أنه تحرك وفقا لخطة ممنهجة أو طموح سياسي، فهما يعيشان حياتهما الطبيعية.

** بعض الأصوات خرجت لتهاجم النظام الحالي بعد الاستعانة برموز مبارك.. كيف ترى هذا الأمر؟

أريد أن أذكر الجميع بأن أول رئيس وزراء جاء بعد الثورة كان عصام شرف وكان عضوا بالحزب الوطني، والدكتور كمال الجنزوري الذي ظل ملاصقا لمبارك منذ أن كان وزيرا للتخطيط فى نهاية السبعينيات حتى أصبح رئيسا للوزراء في التسعينيات كان أيضا بالحزب الوطني، والمشير طنطاوي كان الأقرب لمبارك من الجميع، فالمسألة ليست لها علاقة برجال مبارك، وأقول هذا والجميع يعلم أنني لست محسوبا على رجال مبارك، ولكنني أرفض النظرة الانتقائية، فالحزب الوطني كان يستحوذ على 3 ملايين شخص من أقصى اليمين لأقصى اليسار، “ومافيش حاجة اسمها عودة رجال مبارك”، فالحكومات السابقة ورؤساء الوزراء كانوا ضمن أعضاء الحزب الوطني، ووزراء في حكومات مبارك وشركات الدولة التابعة له، فالمسألة ليست لها علاقة بالحقيقة ولكن بالانتقائية فكلما أردنا مهاجمة أحد استخدمنا هذا الأسلوب، ويجب أن نحرج خارج هذا الإطار الضيق وأن نعيش للمستقبل.

** بصفتك تترأس إحدى الجمعيات الأهلية كيف ترد على الانتقادات التي توجه إلى المنظمات الحقوقية والتي طالتها العديد من الاتهامات حول مصادر التمويل غير المشروعة خلال الفترة الماضية؟

أريد أن أوضح أن منظمات المجتمع المدني المصري غير الهادفة للربح تستحق التهنئة، الـ15 منظمة التى التقت الرئيس منذ شهر ونصف أنفقت العام الماضي ما يقدر بـ15 مليار جنيه على العمل المؤسسي المدني، وأرى من وجهة نظري أن منظمات العمل الأهلي غير الهادفة للربح أشبه بـ”مارد” يستطيع أن يقف في ظهر الحكومة والدولة ويساندها، وأرجو في أي تعديل فى القوانين أن يوضع في الاعتبار فوائدها وليس ضررها، وألا تتحمل منظمات العمل المدني المصري التي تعمل في المجتمع بجدية ومهنية عالية أخطاء 10 أو 15 منظمة قد تكون عملت ضد الدولة في وقتٍ ما، ويجب ألا نعمم السلب، لكن نحافظ على الإنجاز، وأؤكد أنني أرفض العمل ضد الدولة وأيضا ضد هدم مؤسسات المجتمع المدني.

** ما رسالتك إلى البرلمان والحكومة؟

أقول للبرلمان “الهويني علينا، أنتم تمثلون الشعب، ولا يجب أن تتعدوا علينا، ولا يجب أن يعطي البرلمان الإحساس للشعب بأنه فى جيب الحكومة، وقد يكون انطباعي خاطئا ولكن هذا الانطباع أصبح لدى المجتمع، وبالنسبة للحكومة أتمنى أن تعلن لنا نوتتها الموسيقية ودور كل لاعب فى إطار متكامل له أهداف واضحة المعالم تُمكننا من الحكم السوي عليها وتمكن البرلمان من الرقابة لأنني أتصور أن هناك أمورا إيجابية تحدث، الناس لا تعرفها”.

** كثيرون لا يعرفون أنك بدأت حياتك ناشئًا في النادي الأهلي.. ما السبب وراء تغيير مسار حياتك؟

كلية الطب و”هيديكوتي”، فحينما جاء “هيديكوتي” لتدريب الأهلي كان يدرب الفرقة طوال الليل والنهار، وكان عمري وقتها 19 عامًا، وكنت طالبا فى كلية الطب، ولم أستطع التوافق مع إطار العمل الجديد فى الفرقة، وقررت الاعتزال، وكنت ألعب في فرقة تضم نجوما كبارا وهم: صفوت عبد الحليم ومصطفى عبده وزيزو، وكنت أول شخص ألعب فى الفريق الأول. أخيرا.. هل أنت متفائل بالمسار الذي تسير فيه الدولة حاليا؟ نعم، أنا دائما متفائل لأنني أرى في المواطنين أفضل ما فيهم، ويجب أن يكون لدينا ثقة بالنفس، وأريد أن مصر كانت مصدر التنوير للعالم العربي بفنها وحضارتها، ويجب أن يكون لدينا إيمان بأننا سنعيد مكانة مصر إلى ما تستحقه.

الحوار الاصلي

http://www.tahrirnews.com/posts/700718/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A

 

التعليقات

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *