خواطر وأخطار
بقلم
حسام بدراوي
صَوت البرلمان الفرنسي بسحب الثقة من حكومة ميشيل بارنييه في أوائل ديسمبر 2024، وهو تطور كبير يعكس هشاشة الوضع السياسي في باريس. جاءت هذه الخطوة بعد رفض واسع النطاق لمشروع ميزانية 2025، الذي شمل اقتراحات بزيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق الحكومي لمواجهة العجز العام المتزايد .
انتقل الي كوريا الجنوبية، حيث شهدت البلاد أزمة سياسية كبيرة في 3 ديسمبر 2024 عندما أعلن الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية لأول مرة منذ أكثر من 40 عامًا. جاءت هذه الخطوة في سياق نزاع حاد مع المعارضة حول ميزانية الدولة ومزاعم بالتآمر مع كوريا الشمالية. اتهم الرئيس المعارضة بالتآمر ضد الدولة وسعى لتعليق الأنشطة السياسية وإلغاء حرية الصحافة، مما أثار احتجاجات واسعة في البلاد.
رغم دعم بعض قادة الجيش للإجراء، عارض البرلمان هذه الخطوة، وعقد جلسة استثنائية صوت فيها 190 نائبًا لصالح إلغاء الأحكام العرفية. بعد ساعات من المواجهات السياسية والاحتجاجات الشعبية، تراجع الرئيس وقبل بقرار البرلمان، معلنًا رفع الأحكام العرفية وسحب القوات المنتشرة .
هذا الحدث يعكس أهمية الفصل بين السلطات حيث لعب البرلمان دورًا حاسمًا في استعادة التوازن في البلاد. في الوقت نفسه، يبرز هذا الحادث مخاطر استغلال السلطة التنفيذية لإجراءات استثنائية لتحقيق مكاسب سياسية.
أعود الآن الي الأزمة السورية وسقوط نظام الأسد وهروبه وكل معاونيه خارج البلاد، التي تحمل تداعيات عميقة على منطقة الشرق الأوسط، في ظل نظام حكم ديكتاتوري لم يتعلم من مصائر نفس نموزج الحكم عبر التاريخ.
التاريخ يقول إن الدفاع عن استقلال مصر كان يبدأ دائما من بوابة الشام ، والواقع يقول أن مصر المستقرة والقوية داخلياً هي مصر المؤثرة خارجيا.
هل نحن آمنين من المخطط الصهيوني الغربي الذي يسير بخطي واثقة للأسف للسيطرة علي الدول العربية اقتصادياً وعسكرياً وتقسيمها ؟؟؟؟
((الإجابة لا….
لن تكون مصر مستقرة إلا إذا استقر الوضع السياسي وهو ما يقود إلي نمو اقتصاد ورضا اجتماعي بها ، والعجيب أن الدستور يوضح ذلك بوضوح ونحن لا نطبق مواده ولا استحقاقاته.. ))
ذكرت ثلاث نمازج حكم وتداعيات لعل فيها حكمة ودروس مستفادة لدرء الشر عن مصر بسعة أفق والتعلم من أحداث الحاضر والماضي ((وعدم الوقوع في فخ الإحساس بالأمان بتشديد القبضة الأمنية. ))
((إننا نعتقد أن نظام الحكم الرئاسي ، الذي يتولي فيه الرئيس المنتخب سلطات واسعة للحكم ، هو النظام الأمثل لمصر، بل هو الواقع السياسي منذ عام ١٩٥٢ رغم أننا ندًعي غير ذلك.
ولكن هذا النظام يؤدي إلى الاستبداد بالسلطة ما لم يكن محدد المدة بمدتين على الأكثر لا تزيد عن إثنى عشر سنة ،. هو ما يؤكد عليه الدستور ، ويكون ذلك اختيارا دستورياً غير قابل للتعديل من أي سلطة حاكمة لصالح بقائها..))
وكما كتبت وأعلنت وأُصر ، أن في الدولة المدنية التي نسعي الي إقرارها توضع كل مؤسساتها في نطاق المحاسبية، وتتوازن السلطات التنفيذية والرقابية والقضائية فيها فلا تتوغل سلطة على أخرى و تتوافر فيها البدائل السياسية التي تبني ولا تهدم ،فمن مصلحة الجميع استقرار الحكم ولكن بضوابط ومحاسبية.
في النهاية أشارك القارئ الحِكَم و الأمثله وأترك له تركيب ذلك علي الأحوال.
يقول الامام محمد عبده التي تدل كلماته علي فهم سياسي عميق : “الفساد يهبط من أعلي الي أسفل ، والإصلاح يصعد من أدني الي أعلي”
(( وأقول إن “الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون وإنما أناس متحمسون ومقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الصحيح والمطلق وغيرهم علي خطأ مطلق”
“إن السجن ليس سياج وأسوار ، فقد تكون سجين فكرة وقد تكون سجين لحظة زمنية فكم من الحكام الظالمين بدأ ظلمه عندما ظن أنه المخلص ولا يوجد له بديل”.))
و يقول جبران في كتابه النبي عن الحرية؛
“اذاكان أمامك طاغيـة تريد أن تثل
عرشه، فاسـتَوثِْق أَّوًلا أنه قـد تَحطَّـم العرش الذي أقمتَـه لـه في نفِسـَك؛ فهل لطاغيـة أن يحكم الأحرار أو الأِعـَّزة إَّلا إذا شاب حريتهم الاسـتبداد، و خالَـَط ِ عَّزتهـم العـار؟
و أقول: الحرية لا تأتينا،بلّ علينا أن نصبو إليها و نتحـَّرر داخلنا ((مـن العبودية لنظام حكم ظالِـٍم، أو لأفـكاٍر تتملَّـك نفوسـناُ يمليها علينا آخرون.))
وأقتبس من استاذ سعيد ناشيد الفيلسوف المغربي :
“أننا نحتاج إلى من يزعزع قناعاتنا الراسخة، لأنه بذلك النحو يمنحنا فرصة اختبارها، وبالتالي إمكانية إعادة ترميمها عند الضرورة، حتى لا تسقط على رأسنا فجأة، أو في النهاية.
لذلك علينا أن نستقبل حامل المطرقة في بيتنا ضيفا عزيزا، لا نصدّه ولا نوصد بابنا دونه، فإنه الشخص الذي سيساعدنا لاختبار متانة سقفنا ، الذي يضعف بعامل الزمن، ويحتاج بالتالي إلى ترميمات متجددة، وأحيانا جذرية.
أليس ذلك هو المعارضة البرلمانية وحرية الرأي!!!!
وأستعير قول فرج فودة في مقال له من عشرات السنين “إن مشكلة الديمقراطية تتجاوز حدود مصر إلى المنطقة العربية بأكملها، فالأوضاع الراهنة في العالم العربي تبدو كأنها تُسلم زمام كثير من بلدان المنطقة إلى دائرة مفرغة ومفزعة. تبدأ بالانقلابات العسكرية التى تفشل فى حل المشكلات، وتنجح فى تفريغ المجتمع من القيادات المدنية المؤمنة بالشرعية. وتنجح أيضاً، وهذا هو الأهم، فى ترسيخ مفاهيم إهدار الشرعية الدستورية، تحت شعارات فضفاضة من نوع “الشرعية الثورية” و “الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب” ((وعادة يكتشف الجميع أن المقصود بالشعب هو دائرة الحكم.))
أليس هذا ما شاهدناه في سوريا أخيراً، وقبلها ليبيا والعراق والسودان، هذا النمط من الحكم هو السبب فى نمو وتعاظم التيارات السياسية الدينية، صاحبة التراث العريق فى العمل السري، وفى التنامي تحت إطار اللاشرعية ، وهنا تبدأ الدائرة المفرغة فى دورتها المفزعة. ففى غياب المعارضة المدنية، والبرلمان المستقل عن السلطة التنفيذية سوف يؤدى أي حكم إلى السلطة الدينية. ((ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الإنقلاب العسكري، الذى يُسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر، إلى سلة دينية جديدة وهكذا.))
إن الخروج من هذه الدائرة المفرغة، ضرورة..والتواصل مع الشرعية الدستورية، مسألة حيوية ((بالنسبة لمصر، والشرعية.))
نقول لأنفسنا إن مصر أكبر من ذلك ، وچينات الحضارة في الشعب المصري تظهر في الأزمات ، و ٣٠ يونيو كان أحد مظاهرها.
وبالرغم من تفاؤلي الدائم ورؤيتي للفرص بين المحن وثقتي المبدئية في توجهات الناس الا أن ذلك لا يمنعني من التحليل الدقيق للأمور ورؤية المخاطر، ((و من روائع ما قرأت ، وأشارك القارئ فيه هو مقدمة إبن خلدون رائد علم الاجتماع العربي،التي كتبها في القرن الرابع عشر الميلادي، وجعلتني أدقق فيما نمر به حيث يقول فيها :
“عندما تكثر الجباية تُشرف الدولة على النهاية،وعندما تبدأ الأمم في الانهيار يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون ..و قارعوا الطبول و المدّاحون و الهجّاؤون والانتهازيون.
“تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط..ويضيع التقدير ويسوء التدبير..وتختلط المعاني والكلام..ويختلط الصدق بالكذب..”
“عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف..وتظهر العجائب وتعم الإشاعة..
ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق..ويعلو صوت الباطل..ويخفق صوت الحق..وتظهر على السطح وجوه مريبة..وتختفي وجوه مؤنسة”..
“عندما تبدأ الدول في الانهيار تشح الأحلام ويموت الأمل..وتزداد غربة العاقل و يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء..والمزايدات على الانتماء.”
“عندما تنهار الدول يتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة طرء وكم والخيانة..وتسري الشائعات عن هروب كبير..وتحاك الدسائس والمؤامرات..وتكثر النصائح من القاصي والداني الفاهم والسفيه، ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته..ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار..
ويتحول الوضع الى مشروعات مهاجرين..
ويتحول الوطن الى محطة سفر..”
والله هذا كلام ابن خلدون وليس كلامي وكأنه كان يتجسس على المستقبل منذ سبعمائة عام ..
الفرصة متاحة في الخمس سنوات القادمة لإحداث تغير جوهري في الحياة السياسية في مصر ، و ملء الفراغ السياسي ببدائل مدنية وهو الأمر الذي لن يحدث ببقاء الأمر علي ما هو عليه..))
إن انتخابات البرلمان القادمة هو إختبار صلاحية للسلطة التنفيذية في مصر وهذا البرلمان يجب أن يمثل الشعب فعلا وتكون به معارضة تحاسب وتدقق وتشرع لتبني لا لتهدم.
مصر تستحق ذلك ومؤهلة له لو تعلمون.