الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د. حسام بدراوى يكتب: عيد جيش الشعب المصرى و٦ أكتوبر العظيم

د. حسام بدراوى يكتب: عيد جيش الشعب المصرى و٦ أكتوبر العظيم

 

تجمع حولى مجموعة من الشباب بعد محاضرتى التى تكلمت فيها عن نصر أكتوبر العظيم وقلت إن يوم السادس من أكتوبر هو أعظم أيام حياتى، لأن من لم يعش مهانة هزيمة (٦٧) لا يستطيع تذوق جمال وقيمة ٧٣.

كنت فى بكالوريوس طب قصر العينى، وكل واحد فينا كان له أخ أو أب أو صديق أو قريب فى الجيش يحارب من أجل كرامة البلاد.

قال لى واحد من الشباب الذين ولدوا بعد هذا اليوم بـ٣٥ سنة:

«مش قوى كده يا دكتور حسام، هناك كتب بتقول إن مصر لم تكسب هذه المعركة أساسًا. نصدق مين؟»

وقال آخر: «ما أنتم قلتم كده على حرب (٥٦) وطلعت فى الآخر برضه مش نصر، وإسرائيل احتلت سيناء بعدها لولا تدخل أمريكا».

قلت: هذا كلام غير صحيح، لأن المعركة الحربية تعرف نتائجها بمن فرض إرادته على الآخر، فى (٥٦) مصر فرضت إرادتها على إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وكل بلد يستخدم ما لديه من جيوش ودبلوماسية لتحقيق الغرض. مصر فى نهاية الحرب فرضت سيطرتها على قناة السويس واستعادت سيناء، إذن نتيجة الحرب كانت انتصارًا لمصر، واستقالة لرئيس وزراء بريطانيا العظمى.

أما فى (٧٣)، فقد كنا نعتقد أساسًا، والعالم كله يعلم، استحالة عبور القناة واختراق خط بارليف، الذى اعتبر فى وقتها أقوى خطوط الدفاع فى تاريخ الحروب العالمية، مع تفوق تكنولوچى واستراتيچى للطيران الإسرائيلى. لقد كان إيمان العالم بأن هذا وضع نهائى لن يتغير.

ماذا حدث فى النهاية هو عبور قواتنا بتنظيم وقيادة حكيمة، وتغيير الوضع العسكرى المستقر، ثم التفاوض من وضع القوة وليس الهزيمة.. كل ما حدث بعد ذلك هو فتح قناة السويس للملاحة العالمية، وعودة أهالى بورسعيد والإسماعيلية والسويس المهجّرين، واستعادة سيناء. حرب أكتوبر كانت جزءًا من استراتيچية متكاملة لاستعادة الكرامة والأرض.

قالوا: «ولكن تم تحديد عدد قواتنا فى سيناء، واستعادة سيناء تعتبر منقوصة..».

قلت: «أنا وأنتم نذهب لـ(شرم الشيخ) و(سانت كاترين) وإلى أن بدأ الإرهاب الداعشى كنا نذهب للعريش ونجول فى سيناء كما نريد. كل مكسب له ثمن، ولابد أن نفهم ذلك وندرك أن الجولان لا تزال تحت الاحتلال المطلق بعد خمسين سنة، وأن الضفة الشرقيه كذلك، بل إن إسرائيل بصفاقة أعلنت ضم الجولان إليها وبدأ العالم يعترف لإسرائيل بملكيتها، وها هى أمريكا تعلن ذلك أيضًا».

لا تجعلوا المحبطين الذين لا يرون سوى الهزيمة ينقلون إليكم طاقتهم السلبية.. مصر انتصرت، حربًا وتفاوضًا، وغيرنا واقعًا جغرافيًا وتاريخيًا.

قالوا: «ولماذا لا نقرأ سوى طنطنة ومزايدات كلامية فى الإعلام تجعلنا نشك فى الحقيقة من كثرة المزايدات؟».

قلت: «معكم حق، وعليكم واجب… الحق، أنا أتفق معكم أن المزايدات الإعلامية والنفخ فى الانتصار وتخبئة الأخطاء وكأننا ملائكة وسوبرمان تشكك فى الحقائق».

ولكن واجبنا أن نبحث أيضًا، ونقرأ مذكرات أبطالنا وأعدائنا ونعمل عقولنا. الحق أن جيشنا وشعبنا انتصر بعد هزيمة، وأننا لم نستسلم، واستعدنا الأرض بعد (٦) سنوات من الاحتلال.

الحقيقة أن الجيش استعان بالمؤهلات العليا من المجتمع المدنى فارتفع مستوى أدائه، ودخل العلم جنباته، وأن الشعب بالرغم من قلقه ونفاد صبره وهجرة ربع سكانه داخليًا، ساند جنوده وغالب آلامه وانتصر.

إننى أود أن أذكر لكم مرة أخرى أن يوم (٦) أكتوبر هو أعظم يوم فى حياتى فعلًا، حيث فوجئنا بأن جيشنا يعبر ويحقق نصرًا، وشعورى بالفخر والزهو لا أنساه. الكل تطوع على قدر قدراته ومصر انتصرت فعلًا.

قال شاب آخر: «هل الجولان مهمة جدا لسوريا؟ ولماذا أعلنت إسرائيل ضمها من بين الأراضى المحتلة؟»

قلت: الجولان استراتيجية لسوريا وفى حال تمكُّن سوريا منها فأعتقد أنه يمكن تهديد مدن عدة داخل فلسطين المحتلة. لكن سؤالك جعلنى أذكركم بأننى كلما قرأت بيانًا بالأراضى العربية التى لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلى أجدها تتناقص فى ذاكرة الإعلام اليومى والدورى، فلم يعد يذكر سوى الضفة الغربية والجولان ومؤخرًا القدس كلها، وتكاد أم الرشراش (إيلات) المصرية ومنابع نهر الأردن وقرى من جنوب لبنان وباقى قرى ووديان فلسطين التى توسعت وتتوسع عليها المستوطنات الاسرائيلية – أقول تكاد- تسقط من الذاكرة الإعلامية للأسف.

ما استنتجته من ذلك النقاش، عبرت عنه الكاتبة مى عزام فى مدخلها الرائع فى الكلام عن حرب ٧٣ بمقالة لها:

«شباب مصر ليس لديه مشاعر أو ذكريات تجاه حرب أكتوبر، وعلى المجتمع أن يخلقها، فالذاكرة هى حاملة المشاعر، وهى التى تصوغ أفكارنا وهويتنا وتحدد سلوكنا، شباب اليوم لا يدرك مدى شجاعة وإصرار آبائه من ضباط وجنود، هؤلاء الذين أخلصوا لوعد تحرير سيناء وقدموا أرواحهم فداءً للوطن، وما كان لهؤلاء الشباب أن يستمتعوا بشواطئ شرم الشيخ وغيرها فى سيناء دون هذه التضحيات. دول الحلفاء وفى مقدمتها أمريكا تحرص على خلق هذه المشاعر والذكريات فى نفوس شبابها، السينما هناك قدمت، وما زالت، مئات الأفلام عن الحربين العالميتين، هذه الأفلام تساهم فى تكوين مشاعر وذاكرة الشباب تجاه ماضى بلادهم وانتصاراتهم، كما تحدد انحيازهم المستقبلى».

وأضيف على هذا الكلام المهم أنه من عاش ويتذكر أكتوبر ٧٣، لابد أن يكون الآن عمره فوق الخمسين عاما، ويجب أن يكون تدريس حرب أكتوبر فى مناهج التعليم مبنيًا على رؤية علمية وليس اجتهادات كلامية بمزايدات تجعل الطلبة لا تصدق الحقائق بعد ذلك.

هناك بطولات لا يُحكى عنها كثيرا، كبطولة الشعب المصرى الذى عاد جيشه مهزوما هزيمة قاسية ومذلة فى ٦٧، ما اضطر رئيس البلاد للاستقالة، كنتيجة للفشل، فلم يقبل الشعب الاستقالة كرمز لعدم قبوله الهزيمة. ثم ماذا؟ نكت واستهزاء بالجيش المصرى فى العالم كله، والبلاد العربيه، وفجأة أصبح الزى العسكرى المصرى مجال الاستهانة بالقول والفعل، وهجره مواطنون يعيشون على خط القناة إلى داخل البلاد بالملايين.

هنا ظهر معدن حضارى للشعب المصرى الذى قاوم الموجة السلبية الموجهة إلى الجيش ورفع روحه المعنوية، واشترك كل صاحب شهادة متعلم فى الجيش دون معرفة وقت خروجه للحياة المدنية، وتقبّل الشعب مهاجرى وطنه، وأعاد هذا الشعب لجيشه هيبته ومقامه.

هذه معركة لا يتكلم أحد عنها ولا توجد لها ذكريات.

شعب مصر أحيا جيشه بعد الهزيمة، وجيش مصر أحيا شعبه بانتصاره فى أكتوبر.

التعليقات

التعليقات