فى منتصف التسعينيات، فى عنفوان الشباب، كأستاذ صغير فى كلية الطب، شاركت طلبة الكلية فى إنشاء واحدة من أكبر الأسر الجامعية، سميناها أسرة أحفاد الفراعنة. كانت تصدر مجلة شهرية شهدت توزيعا غير مسبوق فى الجامعة (5000) نسخة، اسمها «أهلا يا دكتور».
فى غضون سنتين وصل عدد أفراد الأسرة بين قصر العينى والجامعات الأخرى لعشرة آلاف طالب. كنت أؤجر سينما كايرو أول خميس كل شهر، وأدعو الطلبة لمشاهدة فيلم جديد. تكوّن فى الأسرة فريق للموسيقى وآخر للتمثيل، وجميع أنواع الفنون. دعونا كبار المثقفين لمسرح كلية الطب ليلتقوا بالطلبة فى مناقشات حية وحيوية. قام فريق التمثيل بتقديم مسرحية على مسرح الأوبرا الصغير بحضور وزير التعليم ورئيس الجامعة ووزير الثقافة فاروق حسنى وقتها.. وقرر شباب الأسرة الدخول فى انتخابات اتحاد الطلاب الذى كان محتلا بالكامل للجماعات الإسلامية، واستطاعوا الفوز بـ٦٢ مقعدًا من ٧٢، وكان هذا ما لم تستطع أجهزة الأمن تحقيقه بضغوطاتها فى ذلك الوقت. أحفاد الفراعنة مرحلة فى حياتى أراها مضيئة وممتعة ومليئة بطاقة إيجابية زادت ثقتى بشباب وقدرات الشعب المصرى.
وفكرت فى هؤلاء الشباب بعد التخرج، من كافة الكليات، وقررنا إنشاء جمعية تضمنا، سميناها «الحالمون بالغد والعاملون له».
وعقدنا أول مؤتمر لهذه الجمعية فى قاعة المؤتمرات الكبرى، حضرها 1500 شاب وشابة من كل بقاع مصر.. كانت محاور المؤتمر تتكلم عن الديمقراطيه كمنهج حياة، وعن الحياة الطلابية، ومساحة للتنوير، ودور شباب المسلمين والأقباط فى تدعيم النسيج الوطنى، وتخطيط الحياة العملية للشباب، واكتشاف الذات والتواصل مع الآخر المختلف، الصناعات الصغيرة ودورها فى توفير فرص عمل.
ما زالت الجمعية موجودة حتى الآن، وتمارس النشاط، ولا أزال على اتصال بعدد كبير من شبابها وشباب أحفاد الفراعنة وغيرهم من طلبة الجامعات والمدارس الذين ألاقيهم، ويسألوننى، ويتحاورون معى بمحبة ومودة ملهمة وجميلة، وهم السبب فى موضوع كتابتى «على مقهى الحالمون بالغد» لأنقل وجهات نظر أجيال جديدة من الشباب فى مجموعة حوارات، أظن أنها ستضيف إلى المجتمع الكثير.
فإلى «مقهى الحالمون بالغد» سويا..
تجمع حولى الشباب بعد محاضرتى التى تكلمت فيها عن نصر أكتوبر العظيم، وقلت إن يوم ٦ أكتوبر هو أعظم أيام حياتى، لأن من لم يعش مهانة هزيمة ٦٧ لا يستطع تذوق جمال وقيمه ٧٣. كنت فى بكالوريرس طب قصر العينى، وكل واحد فينا كان له أخ أو أب أو صديق أو قريب فى الجيش يحارب من أجل كرامة البلاد.
قال لى واحد من الشباب الذين ولدوا بعد هذا اليوم بـ35 سنة:
مش قوى كده يا دكتور حسام، فيه كتب بتقول إن مصر لم تكسب هذه المعركة أساسا. نصدق مين؟
وقال آخر: قلتم كده على حرب 56 وطلعت فى الآخر برضه مش نصر، وإسرائيل احتلت سيناء بعدها لولا تدخل أمريكا.
قلت: ده كلام غير صحيح، لأن المعركة الحربية تعرف نتائجها بمن فرض إرادته على الآخر.. فى 56 مصر فرضت إرادتها على إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وكل بلد يستخدم ما لديه من جيوش ودبلوماسية لتحقيق الغرض. مصر فى نهاية الحرب فرضت سيطرتها على قناة السويس واستعادت سيناء، إذن نتيجة الحرب كانت انتصارا لمصر، واستقاله لرئيس وزراء بريطانيا العظمى.
أما فى 73 فالعالم كله كان يعلم استحالة عبور القناة واختراق خط بارليف الذى اعتبر فى وقتها أقوى خطوط الدفاع فى تاريخ الحربية العالمية، مع تفوق تكنولوجى واستراتيجى للطيران الإسرائيلى. لقد كان إيمان العالم أن هذا وضعا نهائيا لن يتغير.
ما حدث فى النهاية هو عبور قواتنا بتنظيم وقيادة حكيمة، وتغيير الوضع العسكرى المستقر، ثم التفاوض من وضع القوة وليس الهزيمة.. كل ما حدث بعد ذلك هو فتح قناة السويس للملاحة العالمية، وعودة أهالى بورسعيد والإسماعيلية والسويس المهاجرين، واستعادة سيناء. حرب ٦ أكتوبر كانت جزءًا من استراتيجيه متكاملة لاستعادة الكرامة والأرض.
قالوا: ولكننا تم تحديد عدد قواتنا فى سيناء واستعادة سيناء كانت منقوصة.
قلت: أنا وأنتم نذهب لشرم الشيخ وسانت كاترين وإلى أن بدأ الإرهاب الداعشى كنا نذهب للعريش ونجول فى سيناء كما نريد. كل مكسب له ثمن، ولا بد أن نفهم ذلك، وندرك أن الجولان لا تزال تحت الاحتلال المطلق، بعد خمسين سنة وإن الضفة الشرقية كذلك.
لا تجعلوا المحبطين الذين لا يرون سوى الهزيمه ينقلون إليكم طاقتهم السلبية. مصر انتصرت، حربا وتفاوضا
وغيرنا واقعا جغرافيا وتاريخيا.
قالوا: ولماذا لا نقرأ سوى طنطنة ومزايدات كلامية فى الإعلام تجعلنا نشك فى الحقيقة من كثرة المزايدات
قلت: معكم حق، وعليكم واجب.. الحق أنا أتفق معكم أن المزايدات الإعلامية والنفخ فى الانتصار وتخبئه الأخطاء، وكأننا ملائكة وسوبرمان تشكك فى الحقائق.
ولكن واجبنا أن نبحث أيضا، ونقرأ مذكرات أبطالنا وأعدائنا ونعمل عقولنا.
إننى أود أن أذكر لكم مرة أخرى أن يوم ٦ أكتوبر هو أعظم يوم فى حياتى فعلا، حيث فوجئنا بأن جيشنا يعبر، ويحقق نصرا، وشعورى بالفخر والزهو لا أنساه. الكل تطوع بقدراته، ومصر انتصرت فعلا يا ولاد.
قالوا: بماذا تنصحنا أن نقرأ.
قلت: المتاح كثير وعليكم الاختيار، ولكنى أنصح بالتالى:
١- «حرب أكتوبر شهادة إسرائيلية» تأليف الكاتب الصحفى وجيه أبوذكرى، سطر فيه اعترافات القادة الإسرائيليين عن حرب أكتوبر.
٢- المعارك الحربية على الجبهة المصرية- اللواء جمال حماد
٣- حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية
٤- أخطر شهادة إسرائيلية عن حرب أكتوبر: كابوس سيظل باقيًا طوال الحياة (فيديو)
٥- مذكرات المشير الجمسى
هذا بعض من كل، وأذكر أن «المصرى اليوم» نشرت مجموعات عن حرب أكتوبر من وثائق إسرائيل وأمريكا.
ولا بد للشباب المهتم أن يقرأ الإطار العام لاتفاقيه كامب ديفيد، ليفهموا الحقائق، بل يجب أن يكون تدريس حرب أكتوبر فى مناهج التعليم مبنيًا على رؤية علمية، وليس اجتهادات كلامية بمزايدات تجعل الطلبة لا يصدقون الحقائق بعد ذلك.
إن تقصيرنا وتلاعبنا فيما يدرس عن تاريخنا المحترم نفاقا لنظام سياسى يأتى ويذهب، أو تشددا فى تقصير، ومزايدة فى إنجاز، وإضافة لأسماء أبطال لم يكن لهم دور أو رفعًا لأسماء أبطال حققوا نصرا- يذيب الحقائق، ويشكك الأجيال، ونخسر تاريخا يستحق التمجيد والفخر.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1331442