إننا إذا رجعنا إلى تاريخ الثورات الاجتماعية أو السياسية، لا نستطيع أن نرى حركة يصدق عليها أنها حركة «حقوق إنسانية» بمعنى من معانى هذه العبارة كما نفهمها فى العصر الحاضر. فربما كان بينها ما يسمى بحركات الديمقراطية فى اليونان، التى فسر فيها استخدام كلمة ديمقراطية على أنها من حركات الشعوب والحقوق الإنسانية ولكنها ليست كذلك حتى فى دلالتها اللفظية، فكما يقول الأستاذ العقاد: «إن النظام الديمقراطى فى اليونان كان يطلق على الحكومة التى تشترك القبائل فى انتخابها، ولم يكن اشتراكها فى الانتخاب اعترافا بحق إنسانى يتساوى فيه أحاد الناس، وإنما كان اعترافا بالقبيلة واتقاء لمعارضتها عن العمل فى الجيش».
وقد توالت على اليونان والرومان أنواع من الحكومات الديمقراطية لم يكن لها من مبدأ تقوم عليه غير أنه خطط عملية لدرء الفتنة واستجلاب الولاء من المجندين للجيش والأسطول من أبناء القبائل وأصحاب الصناعات.
وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الأول.
أما الحقوق الإنسانية والانتخابية التى نشأت فى الديمقراطية الغربية فى أواسط القرن العشرين، فقد تدرجت فى التعميم على حسب الحاجة إلى الناخبين، فنالها العمال فى البلاد الصناعية قبل أن ينالها الزارع، ونالتها المرأة بعد أن أصبحت عاملة فى المصانع تنوب عن الجنود فى الحرب، ونالها الملونون فى الولايات المتحدة بعد اضطرار الدولة إلى خدماتهم فى المجتمع وفى الجيوش على التدريج فى الحربين العالميتين، ونالتها الشعوب المختلفة نتيجة للضغوط المتبادلة والصراعات بين الطبقات للوصول إلى صيغة سياسية معينة يرتضيها كل الأطراف.
وسوف أسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثانى.
أما الحقوق الإنسانية المعترف بها من ناحية المبدأ وليست خططاً عملية يوجبها تكافؤ القوى بين الطوائف وجماهير الناخبين، فتمثلها ديمقراطية إنسانية لا يمكن تصورها دون عناصر المساواة، والمسئولية الفردية، وقيام الحكم على الشورى وعلى دساتير معلومة من الحدود والتبعات… وهى العناصر التى ننادى بها كمبادئ عامة وليست اضطرارا لواقع انتخابى أو خدمة فى الجيوش، ولكنها تمثل إيمانا حقيقيا بكيفية العدالة فى الحكم اعترافا بحقوق المواطنين، بغض النظر عن مستواهم التعليمى أو موقعهم الاجتماعى.
وسأسمى ذلك مجازا ديمقراطية الجيل الثالث.
ولكنى الآن وأنا أنظر إلى الديمقراطية الغربية، وما يطبق فى دول العالم تحت مسمى الديمقراطية، أَجِدُ كثيرا من اختلاط المفاهيم، وتجبر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندعى ونقول.
فالأكثر تعليما، والأكثر ثراء، والأكثر انفتاحا على العالم، يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجيا وتضيع فى كثير من الأحيان فرص التنمية الإنسانية التى نبتغيها من الحكم الرشيد.
دفعنى ذلك إلى طرح على صفحتى فى السوشيال ميديا أقول فيه «كيف يتحكم ويظلم من نختاره فيمن اختاره وهو يعلم أن من يختاره يستطيع تغيير اختياره وأنه رهن إرادة من اختاره؟ وكيف يستهين من تدفع لهم رواتبهم ويدينون بموقعهم بمن يتكلف قيمتها ويعطيهم وظائفهم إلا لو كان النظام غير كفء ولا يعبر عن حقيقة توازن القوى؟.
الشعوب أقوى من حكامها دون الحاجة لثورات أو مظاهرات إذا استخدموا حقوقهم فى الاختيار وقت الاختيار».
وجاءتنى عشرات الردود والمداخلات، أشارككم بعضها وأطرح على القارئ التواصل وإبداء الرأى، لعلنا نصل إلى ديمقراطية الجيل الرابع كما أسميها مجازًا.