من أين يأتى توثيق الحدث الذى يكتبه التاريخ؟ أحيانا نفس الحدث يحكيه من عايشوه من جوانب مختلفة وقد يختلفون اختلافاً بيناً فى روايته.
من المسؤول عن هزيمة ٦٧، التى هى أصل كل ما يعانى منه الشرق الأوسط حتى هذه اللحظة، هل هو عبدالناصر الذى أعلن مسؤوليته بنفسه أم المشير عامر الذى قيل إنه انتحر؟
ألم يكن الاثنان شيئا واحدا؟
اعترف القائد بمسؤوليته بنفسه وقررنا نحن إعفاءه من المسؤولية.
أليس ذلك نظاما انتهى بمأساة هى سبب ما نعانى منه إلى الآن؟
موقف الشاذلى فى حرب أكتوبر ٧٣ مثلا..
القصة تُروى بطريقتين متضادتين بشكل واضح.
والذى يروى إما هدفه أن ينقص دور السادات ويخونه أو دور الشاذلى فيجرمه، ولابد أن هناك حقيقة موثقة عن الخلاف.
مقتل السادات وسط الجيش وأمام كاميرات التليفزيون، كيف يحكيه التاريخ؟ لقد حسبت عدد الثوانى من ساعة نزول القاتل من السيارة فى العرض العسكرى إلى أن وصل إلى السادات، هل من الممكن ألا يكون هناك رد فعل من الحراسة نهائيا فى كل هذه المدة.. وهل كانت هناك مؤامرة أكبر؟
أعلم من التفاصيل المثير الذى لم يذكره التاريخ المكتوب، فقد كان حماى حسن أبوباشا مجنباً فى الداخلية وقتها من الوزير المسؤول، ولكنه بعد أن جاء وزيرا للداخلية، بعد أحداث أسيوط، علم وعرف الكثير الذى لم يوثقه التاريخ، ولكن بحكم منصبه لم يستطع الإفصاح عن كل شىء.
كيف سيحكى التاريخ انتهاء حكم مبارك.. هل رأى أحد خطاب تنازله للمجلس العسكرى.. هل سمعه أحد يعلن ذلك.. هل تنازل فعلا أم أن الأمر كان انقلابا عسكريا من الدرجة الأولى؟
كما يقول د. يحيى طراف، ما علاقة ٢٥ يناير و٣٠ يونيو ببعضهما وهما حدثان أطرافهما مختلفة وأعداؤهما مختلفة ونتائجهما مختلفة. لماذا يضعهما الدستور، الذى يعتبر الوثيقة الأهم، وكأنهما حدث متصل؟
فى ٣٠ يونيو كان هناك استدعاء من الشعب للجيش للتخلص من الإخوان بوضوح.
وفى الأولى كان هناك ركوب للإخوان على حركة الشعب.
هل سيذكر التاريخ حقيقة أن ٣٠ يونيو كانت ثورة على ٢٥ يناير أم هما شىء واحد؟
أين الحقيقة الموثقة فى أحداث كثيرة مرت علينا؟
لقد بدأت أصدق مما يروى أمامى عن يناير التى عايشتها من الداخل أن كل أحداث التاريخ ملعوب فيها بنكهة من يكتبها ويلونها.
لا توجد حقيقة مطلقة حتى لنفس الحدث.
لو حكيت لكم تفاصيل أحداث رأيتها وعايشتها فى الستة أيام التى قضيتها داخل القصر الجمهورى لما صدقتم أنفسكم كيف كانت تدار أمور كثيرة أثرت على مستقبل مصر.
ولكن لكل شىء وقته.
وكما قالت لى واحدة من أبرز الزعماء السياسيين فى بريطانيا بعد أربعة أشهر فقط من يناير ٢٠١١، والتى كان من الممكن أن تحكم بلادها، تعليقا على مقاطعة الأمريكان لى مطلقا بعد يناير وتجنبهم التواصل معى، بعد أن كانوا يعتبروننى صوت العقل والحكمة فى نظام مبارك بكثير من الاحترام الزائد، الذى اكتشفت أنه زائف، قالت لى إن وجودى فى تلك اللحظة أثناء الأحداث كان لا يلائم الخطة والتعبير كان (u were an aberration in the process)
وإننى كنت على وشك إفساد الأمر تماما لأننى كنت قد اقتربت من حلول تُنجح الثورة من ناحية، وتسمح بانتقال السلطة فى إطار الدستور من ناحية أخرى، وليس عن طريق تسليم السلطة إلى المجلس العسكرى الذى لم يكن أمرا دستوريا، وهو ما أدى إلى إلغاء دستور ٧١ الذى وضعه الشعب لكى تستمر للمجلس العسكرى السلطات التى كان لا يمنحها له دستور ٧١، وهو ما أدى إلى كل تداعيات التأليه وتسليم كل السلطات للإخوان.
قالت لى بصريح العبارة إن الأخذ باقتراحاتك السياسية، والتى كاد الرئيس مبارك يعمل بها، كان من الممكن أن يُجنب الفوضى، والفوضى كانت هى واحدة من النتائج المطلوبة بذاتها ليناير كما قالت لى.
الفوضى الخلاقة!!! التى للأسف لم تخلق إلا انهيارا للدولة والاقتصاد، وتفككا للمجتمع اجتماعيا وثقافيا.
د. حسام بدراوى