الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي الحالمون بالغد “اختلاف المعاني وخصام التعريفات” حسام بدراوي

علي مقهي الحالمون بالغد “اختلاف المعاني وخصام التعريفات” حسام بدراوي

اختلاف المعاني وخصام التعريفات
التنوير والعَلمانية والليبرالية
بقلم
حسام بدراوي
منشور بالمصري اليوم الأربعاء 5/6/23
بمناسبة العيد كتبت تهنئة لأسرتي وأصدقائي كتبت فيها :
“أرجو أن يتمتع الجميع بعيد كله جمال ومحبة ، وأن نتواصل مع من نسيناهم ، وحتي مع الذين اختلفنا معاهم ، بتواضع ومودة “.
دار حوار مع “الحالمون بالغد”حول التواصل مع من اختلفنا معهم، فقال لي واحد منهم : لقد إختلف صديقان لي منذ سنوات ، وكانوا مقربين ، وحاولت أن أستخدم منهجك وأجعلهما يتواصلان ، فوجدت وللعجب أنهما حتي لا يتذكران السبب الحقيقي للخصام ، ولكن عاش الخصام بينهما سنوات….
قالت شابة أخري ، أن بينها وبين صديقة لها ، خصاماً، رغم محبتها، فكيف تتواصل وتتنازل..
قلت : دعينا نشاركك ، لعل في الحوار مخرجاً.
قالت: لقد إتَهَمتني بالكُفر والإلحاد ، لأني قلت أنني عَلمانية ، وأؤيد الدولة المدنية ، وهو ما لم أقبله منها لأنني مؤمنة بربي وديني واتهامها لي اعتبرته ظلماً وليس خلافاً .
قلت: يا شباب ما تقوله زميلتكم ليس ببعيد عن أسباب الخلافات بين الأمم ، بل الحروب ..
مجرد الاختلاف في تعريف كلمة ، بدون معرفة أصلها ، أو الانقياد لمفهوم أيديولوجي أو ديني قد يؤدي الي كوارث ، إذا لم يتسع الصدر والعقل للفهم أولاً ، والبحث وراء معاني وتعريفات الألفاظ ثانياً ، قبل الوصول الي أن هناك إختلاف من عدمه ، وإن كان كذلك ، فلا يجب أن يقطع ذلك للمودة حبلاً ولا للتواصل رباطاً.
قال شاب آخر ، وما هي أكثر التعريفات تعرضاً لسوء الفهم يا دكتور؟
قلت: أذكر ثلاثة ، التنوير والليبرالية والعلمانية.
قال : أيمكنك التوضيح!
قلت: قبل التوضيح ، أذكركم أن المسمي ليس هو أهم عنصر لبيان الحقيقة ، فلو أطلقت علي الوردة أي إسم آخر ستظل تشم رائحتها وتري جمالها كما هي…فعليكم البحث عن المعني الذي يعنيه الإسم في عقولكم لتجعلوا للكلمات حيثية، فأنا مثلاً أري واقع المجتمع المصري عَلمانياً، ليبرالياً، متنوراً حسب تعريفات الكلمات في عقلي ووجداني ، ولكن تيار الاسلام السياسي استطاع أن يجعل للكلمات معاني غير أصل فلسفتها فأصبح الليبرالي و التنويري و العلماني و المدني كلها تعني لمن لا يبحث الملحد و الكافر والسافر مع أن الحقيقة عكس ذلك وتعالوا نبحث في المعاني…
يُعبر التنوير عن حركة فكرية، وثقافية، وفلسفية، ظهرت في القرنين الثامن والتاسع عشر في أوروبا وقبلها في الأندلس، تدافع عن العقلانية والمنطق ، وتنادي بإحكام قوة العقل ، باعتباره مصدراً أساسياً للمعرفة، والمثل العليا كالحرية والرقي والتسامح ، وفصل مؤسسات الدين عن الإدارة السياسية للدولة.
أوضح الفيلسوف (إيمانويل كانط) في مقالته “تجرأ على المعرفة” ماهية التنوير ، فقال “إنه بلوغ الإنسان سن النضج أو سن الرشد”.
كما عرّف القصور الإنساني على أنه، التبعية العمياء للآخرين، وعدم القدرة على التفكير الشخصي، أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي عليه ، ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: أعمِلوا عقولكم أيها البشر، لتكن عندكم الجرأة على استخدامها ، فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا و انشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر ،وأحذركم من الطاعة العمياء للقادة السياسيين أو لرجال الدين.
إن حماية الإنسان وتعليمه يكمن في أن يصبح ناضجاً، وقادراً على الاعتماد على نفسه، وأن يستخدم عقله للتحرر من المعتقدات الغريزية في الحقائق المعطاة له .
أما العَلمانية أو الدنيوية أو العِلمانية فهي المنهج الفكري الذ يرى أن التفاعل البشري مع الحياة يجب أن يقومَ على أساس دنيوي ويحكمه دستور يتم الإتفاق عليه بين الناس وليس علي تفسيرات رجال الدين للكتب السماوية.
العلمانية تفصل الدين عن شئون حكم الدولة ولكنها لا ترفض الدين ولا تمنعه.
ينطبقُ نفس المفهوم والفكر العلماني ( و العلمي ) على النظرة الي الكون والأجرام السّماويّة، فالعلمانية تدعو لتفسير النّظام الكونيّ بصورة دُنيويّة علمية بحتة، في محاولة لإيجاد تفسير لوجود الكون ومُكوّناته وهي تفسيرات قابلة للتّحديث والتّكييف حسب ظروف تقدم العلم وليس مجرد تصديق التفسيرات المجازية علي أنها حقائق علمية.
أما وصف العلمانية من قبل خصومها بأنها إلحاداً، فهو إعطاء تعريف لها لم يتواجد في فلسفة وجودها الا عند خصوم فكرة فصل الدين عن السياسة وربط ذلك بالإلحاد لحشد المواطنين ضد فكرة سياسية بتحويلها لفكرة دينية تلاعباً بالتعريف ، للتأثير علي عواطف البشر تجاه توجهات سياسية علي أساس أنها توجهات تنفي وجود الله . ولا يختلف الأمر ، كان ذلك مسيحية أو إسلام أو يهودية لأن متطرفي الأديان عبر التاريخ أقرب لبعض في المنهج ، فأغلبهم ساعين للسلطة والتحكم في الآخرين بحجة أنهم علي صواب مطلق والكل علي خطأ، وفي العمل السياسي هناك تعدد في الآراء وفي الوسائل وتتغير الأحوال بتغير الظروف .
إنه نفس الخطأ الذي يقع فيه خصوم الإسلام بوصفه دين إرهابي علي المطلق لأن بعض المسلمين يقومون بأعمال إرهابية في هذا الزمان كما كان يفعل متطرفي المسيحية في زمن سابق، وهو دين السماحة والسلام في الأصل.
أما اللِّيبرالية فهي فلسفة سياسية تأسست على أفكار الحرية والمساواة و حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية.
الليبرالية ترفض حكم الكنيسة باسم الدين، والحق الإلهي للملوك والحكّام ، أو الخليفة الذي يدعو اليه الحكم الديني الإسلامي و الذي يوجب علي الشعب السمع والطاعة له.
غالباً ما يُنسب للفيلسوف جون لوك الفضل في تأسيس هذه الفلسفة باعتبار أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة والحرية والإختيار والتملك.
الليبرالية والعلمانية والمدنية ينادون بعدم استخدام الدين للحصول علي مكاسب سياسية و ركائزهم احترام معتقدات كل مواطني الوطن ، وأن الدين هو علاقة بين الفرد والله عز وجل ، وله إحترامه و قواعده وممارساته ، فلا يمكن للدولة أن يكون لها دين ولكن تكون دولة لأغلبية مواطنيها دين ، كالدين الإسلامي في مثل حالتنا، ولكن لبعض مواطنيها معتقدات مختلفة ومع ذلك فإن الكل له نفس الحقوق وعليه نفس المسئوليات تجاه المجتمع.
بل وأزيد وأقول أن احترام الدين وحرية العقيدة مبدأ ليبرالي أصيل بل وأؤكد انه مبدأ اسلامي أصيل علي عكس ما يُروج المتشددين. ولا يمكن في الدولة الليبرالية فرض دين علي الأفراد أو إجبار المواطنين علي اعتناقه.
و يكفيني قول القرآن ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”
وقال تعالي ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”
وقال ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”
اليس ذلك كله وغيره احترام لحرية المعتقد والتعددية .
أما السياسة الاقتصادية في الليبرالية فتعني الاقتصاد الحر أو أقتصاد السوق هو النظام الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية ، وفكرة الاقتصاد الحر هو عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه.
أما الليبرالية الاجتماعية وهي المفهوم الذي أعتنقه ، فهي تؤيد تدخل الدولة في الاقتصاد جزئياً، وتتخذ موقفاً وسطا بين الرأسمالية المتطرفة واليسارية المتطرفة، فهي تؤمن بدور الدولة في توفير الحقوق الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، وتتفهم دور الدولة المنسق والضامن للعدالة والمنظم و الضامن للمساواة و الحرية و المسؤل الوحيد عن الأمن الداخلي و الدفاع عن الوطن و سلامة و سيادة أراضيه و سمائه و نهره وبحاره .
تسمى هذه الفلسفة أيضا ليبرالية العدالة الاجتماعية،أو ليبرالية دولة الرفاة ، وتعني شمولها لمفهوم العدالة الاجتماعية ، وهذا هو منهجي وما أؤمن به، وعندما يقوم تحالف سياسي ليبرالي فعليه توضيح توجهاته أي نوع من الليبرالية يقصد. .
تشدد الليبرالية الاجتماعية علي إلزام الحكومة بخلق مناخ يبني قدرات الأفراد ويتيح لهم الفرص المتكافئة وتعتبر أن حق العمل وحق أجر مناسب لا يقل أهمية عن حق الملكية.
إلا أن تدخل الدولة في الاقتصاد لابد له من حدود و يحتاج قناعة بالدور الرئيسي للقطاع الخاص في التنمية والاستثمار وخلق فرص العمل، ليس كهبة من الحكومة تعطيه عندما تريد وتسحبه وتمنعه عندما تريد ،إنه حق فلسفي لحرية المواطن في الحركة الاقتصادية وليس اختياراً تفرضه الظروف.
الخبرة تقول أنه عندما تتضخم ملكية مؤسسة أو أكثر من مؤسسات الدولة لوسائل الإنتاج بلا محاسبية ينتهي الأمر مثلما انتهت أكبر أيديولوجية ملكية عامة في التاريخ ،فقد سحبت الشيوعية حقوق الأفراد وقتلت المبادرة الفردية وتملكت كل وسائل الإنتاج ولم تحقق سوي المساواة في الفقر والفساد فسقطت و إنتهت.
سترون من كل التعريفات أن الخلافات والتكفير والهجوم علي من يتكلم عن مدنية الدولة والعلمانية والليبرالية أنها خلافات حول مفهوم الحكم السياسي ، وليست حول الدين ، فالدين لله والوطن للجميع .
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات