علي مقهي ” الحالمون بالغد”
الإفاقة من السبات
بقلم
حسام بدراوي
في الأسبوع الماضي كتبت عن السبات الحضاري للأمم وجائتني عشرات ردود الفعل عن هذا التعريف و المجاز بينه وبين الحقيقة الفسيولوچية للكائنات الحية التي تدخل في سبات عميق أجيالا وسنين وكيفية خروج الأمة المصرية من سباتها .
والسبات غالبًا ما يكون وسيلة للبقاء على قيد الحياة خلال فترات تصعب فيها الحياة.
خلال السبات، يكون الجهاز العصبي المركزي في حالة انخفاض نشاط أو نشاط مضاد للحياة و الإفاقة تبدأ عادةً بإشارات من عقول الأمة.
ان العودة التدريجية للوعي تتم حين يستعيد الدماغ والجهاز العصبي وعيهما الكامل، وتعود الكائنات الحية بعدها إلى نشاطها الطبيعي، أي أن الإفاقة تبدأ من عقل الأمم ويشمل ذلك قادتها السياسيين ومثقفيها ومجتمعها المدني وقوتها الناعمة .
المسئولية مشتركة ولكن يبقي ان دماغ الأمة هو من يجب أن يحس ويبادر ويقوم بمبادرة الإفاقة.
“السبات الحضاري هو فترة من الركود أو التراجع في الإبداع الثقافي، والعلمي، والقوة الاقتصادية، والتأثير العالمي. ولكي تصحو أمة من هذا السبات، فإنها تحتاج إلى نهضة شاملة تعتمد على مجموعة من العوامل.
تحتاج الأمم إلى قادة لديهم رؤية واضحة للمستقبل ، وشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة، وإرادة للإصلاح والقيادة ليست فقط سياسية، بل تشمل المفكرين، والمبدعين كما قلت .
صحوة الأمم تتطلب مشروعًا حضاريًا شاملًا يبدأ من الداخل ويستجيب للتحديات المعاصرة. عندما يتحقق التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين القيم الروحية والابتكار المادي، يمكن للأمة أن تستعيد مكانتها وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية.
تجمع حولي شباب الحالمين بالغد ومجموعة جديدة من شباب تيار المستقبل الواعد وبادروني بالأسئلة حول المخاطر التي تتعرض لها مصر في هذه المرحله من حاضرها.
وأشاروا الي مقالتي الأخيرة والي كيفية الخروج من سبات الأمة المصرية والأمة العربية.
قال واحد منهم: إن أهم المخاطر التي تتعرض لها مصر الآن هي المد الصهيوني الذي يخيل الينا أنه قادم قادم الي مصر فهم لا يخفون ذلك بل ويعلنونه في خرائطهم .
وردت شابه أخري قائلة : يا جماعه الخطر الحقيقي من الداخل أكثر منه من الخارج، الخطر هو تغير هويه المجتمع والكفر بالديمقراطية والايمان بفلسفة الطاعة وليس التفاعل وابداء الرأي.
وانبري واحد من الشباب قائلا ، بصراحه انا خائف من الفوضي التي تهدم كل شئ في حالة ترك حبل الحريات التي ننادي بها بدون قانون رادع وناجز يحترمه الجميع ويطبق بدون إنتقائية!!.
قالت الشابة المثقفة الذكية : السؤال يا دكتور حسام هو ، هل نحن دولة قوية لنستطيع مواجهة كل هذه التحديات وللإفاقة من السبات الحضاري الذي أشرت اليه؟
نظرت إليهم متفهما مخاوفهم ومدركا قلقهم ، وقلت بهدوء: كل ما ذكرتموه تحديات حقيقية ،.
فتحدي المياه من الجنوب جوهري وتتداخل فيه أجهزة مخابراتية من دول كبري ..وتحدي فرض الخلافات الطائفية خطير ونموذج سوريا في الأذهان ونعم أوافقكم أن التحدي الحضاري هو بيننا وبين إسرائيل علي المدي الطويل..
وأثني علي من ذكر تحديات الداخل الثقافية والوجدانية والاقتصادية، ولكن أهم سؤال في كل ما ذكرتم هو هل نحن دوله قويه لمواجهة كل ذلك؟!
والإجابة هي تلخيصا نعم،
والإجابة تفصيلا هي كالآتي:
مصر يا شباب تملك ثروة بشرية ، كبيرة في العدد، والقيمة، صغيرة في العمر ، ف٦٥٪ من تعدادها عمرهم أقل من ٤٠ سنة.. هذه ثروة جبارة قادرة علي التعلم والتدريب واكتساب المعارف وخلق الفرص. هذه الثروة البشرية ، هبة من الله إذا أحسننا إعدادها ، وهو ما نملك أن نفعله وننفذه. التعليم والرعاية الصحيه هي سبيل جعل هذه الثروة ، القوة الرئيسيه للبلاد والركيزة الأولي للتنمية فيها. إن بناء الشخصية المصرية الواثقة من نفسها ، الفخورة بماضيها وحاضرها ، والتي تملك الأمل في مستقبلها في أيدينا، وعقد واحد من الزمان يغير الكثير..
هذه هي قوة مصر الكامنة ، وأمل مصر في مواجهه التحديات كلها واستخدام ما أعطاه لنا الله من فرص وثروات.
قالت نفس الفتاه الذكيه: وهل عندنا ثروات ؟؟؟
إبتسمْت وقلت: ياااااه، تعالي أعدد لكي بعضا منها.
نحن لدينا أكبر مخزون تاريخي من حضارة العالم، وما علينا سوي إظهارها والإستفادة منها سياحياً لتدر ثروة إقتصادية غير مسبوقة.
نحن لدينا شمالا أجمل شواطئ البحر الأبيض وشرقا شواطئ البحر الأحمر التي لا مثيل لها وأكبر بحيرة للماء العزب جنوبا.
نحن نملك أهم ممر مائي علي الكرة الأرضية، قناه السويس ،الذي يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب ، حفرها أجدادنا بدمائهم. هذا الممر المائي الذي يساند موقع مصر الجغرافي العبقري من الممكن أن يكون ممر التنميه الرئيسي في البلاد.
مصر تملك ثروه من الغاز تحت أرضها وفي أعماق بحارها قد تكون من مداخل إقتصادنا المستقبلي بحدود لم تصل اليها من قبل.
مصر تملك ثروات معدنيه في أراضيها ، يتم إكتشافها الآن ولم نعرف بوجودها من قبل.
مصر تملك أكبر سوق تجاري في الشرق الأوسط. نعم سوق مصر قوة تجذب الإستثمار وتفتح الآفاق..
مصر تملك شمساً ساطعة أغلب السنة ومصادر رياح معروفة وتستطيع إصدار طاقة نظيفة تكفيها وتكفي أوروبا أيضاً.
مصر تملك قوه ناعمه من الفن والثقافة والمعرفة علينا إعاده فتح الآفاق أمام إنطلاقها وإبداعها مره أخري. إن قوة مصر الناعمة كانت سببا في تأثيرها علي من حولها وما زالت تملك نفس الإمكانات إذا رفعنا عنها القيود وأزلنا من أمامها المعوقات.
مصر تملك مخزونا حضاريا في شعبها وقدرات كامنة في شبابها وشيوخها لا تحتاج لانطلاقها سوي للحريه وإحترام القانون،
وتحتاج لجلي الصدأ من عليها بالتعليم والثقافة والفنون..
مصر طبعا قوية يا شباب ، ومن الممكن ان تكون أكثر قوة وأكثر إستقراراً بالإدارة الواعية والعمل الجاد من الجميع..
علي فكره ،كلامي ليس شعارات ، ولكنه كلام علمي وله مرجعية ومنهجية وممكن الحدوث. مصر قوية وستزداد قوة، وعلينا التكاتف سوياً لتحقيق ذلك .
قال شاب من الحضور: وما الطريق لتحقيق ذلك؟
قلت: استدامة تنفيذ المخططات التي يجب أن تكون معلنة وموثقة وملزمة ، والتي تنشأ بالمشاركه بين حكمة الخبرة، وطاقة الشباب.. والقيادة الواعية ، و يمكن تحقيق ذلك بالاستماع الي مختلف الآراء وتقديم البدائل من الخبراء.. من الممكن تحقيق ذلك بالإيمان أن الإبداع والابتكار لا يحدث إلا في إطار من الحرية وليس الفوضي.
قالت الشابه المثقفه: وما هو أساس كل ذلك؟
قلت : ستستغربون مما أقول ، إنه نظام الحكم السياسي.. السياسة هي مدخل تحقيق سعادة الشعوب وتمكينها من إمكاناتها وزيادة قوة البلاد ،لذلك فإن الدولة المدنية الحديثة هي أساس وركيزة كل ذلك..
وأذكركم بمقولة إبن رشد”التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في جاهل ، لا عليك إلا أن تغلف كل باطل بغلاف ديني أو بنشر الخوف بين الناس “.
أعلم صعوبة تطبيق الديمقراطية في ظل الفقر والجهل، وهذه هي معضلة مصر التي علينا التكاتف للمرور من خلالها فقوة مصر وضعفها في بنيتها الإنسانية. قوة مصر في حرية مواطنيها ، وضعفها في كبت الحريات أو عدم التقيد بقواعد القانون الذي يضبط هذه الحريات.
علينا الالتزام بفلسفة الدستور لأنه الوثيقة والمرجعية التي يجب أن تحكم حوارنا.
”نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنيه”…يقوم النظام السياسي على أساس
1 -التعددية السياسية والحزبية
2- والتداول السلمى للسلطة
3ـ الفصل بين السلطات والتوازن بينها
4ـ تلازم المسئولية مع السلطة
5ـ احترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور
هذه هي مقدمه الدستور والمادة الخامسة منه و الذي وافق عليه الشعب المصري بأغلبية ساحقة عام 2014 ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في 2019 .
يوجد في الدستور مواد علينا الحفاظ عليها، ومواد لم تطبق ولابد أن لذلك أسبابا وأري أن علينا وضعها في إطار التطبيق مثل اللا مركزية، وأغلب ما يخص الفصل بين السلطات والتوازن بينها ، وطريقة تطبيق العدالة وإحترام الحريات واحترام حقوق المواطنين.
وعلينا الحذر من المجتمعً من البعض الذين يرون ، وقد يكون بحسن نية ، ولكن بخطأ ، أن الإستقرار وسلامة المجتمع تأتي بالسكون وعدم التغيير وتجنب فتح أبواب التعددية.
الأسهل لمن لا يملك القدرة علي إقناع الآخرين أن يسعي للفكر الواحد وفرض الطاعة ، وتضييق الإختيارت.
مصر لتكون قويه في مواجهه تحديات الخارج ، يجب أن تكون قويه من الداخل ، وسيظل إيماني وأملي في بناء قدرات شبابها وأطفالها والاستفادة من خبرة كبارها.