الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ المرأة هي الأصل وهي الفصل ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ المرأة هي الأصل وهي الفصل ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”
في عيد المرأة أقول
المرأة هي الأصل
وهي الفصل
بقلم وريشة حسام بدراوي
جوابًا عن سؤال إحدى مريضاتي عن الرابط بين المجتمع والمرأة ،قلت :
في العموم ، الذي تتغلب فيه نزعات الذكورة، وتُتهم فيه المرأة في كل الأحوال، حتى لو كانت مُغتَصَبة ومُنتَهكة حُقُوقَها ، وفي الخصوص بين الرجل والمرأة ، لتَعَرض المجتمع لموجات جديدة من التخلف بانتهاك حريتها بالتحرش اللفظي ، أو البدني، أو النظرة الدونية لها وانتهاك جسدها بما يسمونه طهارة، وهو في العلم تشويه لأعضائها التناسلية بدون إذنها، أو فرض الزواج عليها في سن الطفولة وإخفاء هويتها باسم الحماية ، وسلبها حقها في استمرار حياتها الزوجية بإلغاء قانون يمنحها هذا الحق.
وجدتنى أفكر وأقول لنفسي : ما هو الرابط بين المجتمع والمرأة سوى تلازم ثقافي؛ فيه انفصام شخصية جمعي ، تُبَجِّل وتُحتَرم فيه المرأة الأم ، و يتباهي الجميع أن مصر أم الدنيا، و في الوقت الذي يتهمها المجتمع ،وينتهك حقوقها حتى لو كانت مغتصبة ، ويريد إخفاءها عن العيون؛ لأنها أم الشرور في نَظْرةٍ ذكورية متخلفة.
وفكرت في حقيقة اختراع الذكور؛ فكرة أن الخروج من الجنة كان بسبب إغواء المرأة، والتي ألبستها عقائد القدماء سبب تعاسة البشر؛ فسألت صديقتي المثقفة في ذلك متشككًا في أن حواء هي سبب خروج الإنسان من الجنة أساسًا كما تُعلًمنا الأساطير ومُدَّعي التدين؛ لأني لم أجد مرجعية لذلك في القرآن الكريم.
إن خروج الإنسان من الجنة، ونزوله إلى الأرض كان لاكتمال خلقه، وليس عقابًا لذنب اقترفه. فلو ظل دون ممارسة قدرته على الاختيار لكان مخلوقًا كباقي المخلوقات؛ وما كان له قيمة مضافة أعطاها له الله، وقد طلب من بقية مخلوقاته أن تسجد له. لقد ميَّزهُ الله بالعقل والقدرة على الاختيار حتى لو أخطأ. وقد كان اكتمال خلقه عندما اختار وأخطأ فأنزله الله إلى الأرض؛ ليُكمل ما خُلق له.
صحيح أن هذا مدخل جديد علىّ يخالف المعتاد من أن نزول آدم كان نتيجة خطيئته وهو ما يراه عقلي ، فلا يمكن أن تكون حياة البشر موجودة نتيجة خطأ
هذا هو جمال التفكير واتساع حدوده بمرور الزمن .
أضيف للقارئ أن مصدر الطاقة في كل خلية من تريليونات الخلايا في كل جسم إنساني هو جهاز نانوي اسمه الميتوكوندريا ، وهو الجسيم organelle الوحيد داخل كل خلية في الخلق الذي يٌوَرث من الأم فقط، وليس من الأم والأب؛ لأن الأم هي الأصل، والأم هي مصدر الطاقة وحدها للإنسان ذكرًا كان أو أنثى.
لقد بحثت ، فلم أجد كلمة حواء في القرآن كله، ولا في الأحاديث القدسية المصنفة أنها صحيحة؛ ولكن وجدت أن الله سبحانه خلق نفسًا (وهي كلمة مؤنثة) وخلق منها زوجها (وهي كلمة تحتمل التأنيث والتذكير)، فتصورت خلق الزهرة (وهي مؤنثة) وخلق عضو تذكير فيها نفسها، فتصبح زهرة مزدوجة الجنس تُلقح ذاتيًا (والذات مؤنثة أيضًا). وبما أن النفس والذات والزوج كلها مؤنث فتكون هي الأصل، ويكون الزوج المذكر هو الذي خُلق منها، وتكون كلمة (آدم) المذكورة في القرآن ما هي إلا اسم علم لهذا الكائن المزدوج الذي بدأت منه الخليقة. وفي طفرة چينية انقسم إلى كيانين كما حدث للزهور؛ ويكون تفسير الآية: «وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا» على أنها خطاب موجه للمثنى لهذا الكائن المزدوج الجنس من أصل أنثى ، والله أعلم.
وللعلم فإن الفكر الذكوري يري أن المرأة خلقت من ضلع آدم ،هو لا يختلف عن ما أقول سوي أن آدم اسم علم يحتمل أن يكون رجلا أو امرأة أو الإثنين معا !!
إن هذه فكرة مبنية على منطق التحليل اللُغوى البحت والله أعلم فأنا لا أقطع ولكني أفكر!
قالت وماذا عن المرأة المصرية بالذات ؟؟
قلت : عن المرأه المصرية بالذات لا أجد خيرًا من درس التاريخ…
المرأة المصرية بالذات عظيمة وغير عادية كونها أم و فلاحة وعاملة؛ ولما أُتيح لها التعليم تفوقت وأجادت، وعندما ترأست البلاد في تاريخنا الفرعوني ألهمت وقادت. وعندما تزوجت من الأنبياء كإبراهيم ومحمد أنجبت جدّ العرب إسماعيل، وعندما قررت، حمَت موسى من القتل؛ وما كان لليهود وجود لولا امرأة فرعون التي احتضنت وربّت. المرأة المصرية چينات حضارة وقدرات لابد من تحريرها من قيود متخلفة فَرَضت عليها الانزواء وراء الرجل..
المصريات تراهُن مرفوعات الهامة.. رؤوسهن تناطح السحاب.. تجلس على عرش مصر بجوار ملكها… وأحيانا تجلس بعظمتها وحيدة على العرش.. محركة بإصبعها جيوشًا…ومتحكمة بعقلها الفذ في مصائر البلاد والعباد بمنتهي الحكمة والقدرة…!!!
وعندما جلست المصرية على عرش مصر.. حكمت حتشبسوت الدولة المصرية 21 عامًا… جعلت مصر خلالها أعظم قوة عسكرية في العالم.. ووصل الاقتصاد المصري إلى مستوى غير مسبوق… ويشهد على ذلك معبدها الذي يُعتبر قبلة الباحثين عن عظمة مصر و عظيماتها…!!!
حتى عندما غَنْتْ المصرية… أصبحت كوكب الشرق.. أقوى حبال صوتية لامرأة في العالم.. إنها السيدة أم كلثوم… غنت للعاشقين ، غنت لمصر المحروسة و جابت كل دول العالم لتجمع بصوتها الأموال لبلادها فاستحقت الاحترام والتقدير.
والمرأة المصرية نفسها قادت أول طائرة في مصر، وصوتها علا فوق صوت الرجال في ثورة ١٩، وبعدها في ثورة ٣٠ يونيه، هي الآن العالمة و الطبيبة والممرضة والمدرسة والفنانة والكاتبة.
قالت لي شابة من الحالمين بالغد بأسي : لكننا نرث نصف الرجل يا دكتور، أليس هذا تمييزًا سلبيًا ضدنا؟
قلت: ترث المرأة نصف الرجل، فتستطيع أن تدَّخره كله لنفسها ولا تنفق منه شيئًا، ويظل الرجل مسؤولًا عن الإنفاق كله، وإلا فلا قوامة له؛ أي أن حقوق الرجل تجاه أهل بيته وأسرته مرهونة بالإنفاق، تدور معه وجودًا وعدمًا؛ فالرجال قوَّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم، والتفضيل كما أفهمه هو العلم والمعرفة.
قال شاب آخر: إذًا، هي مزاحمة بين النساء والرجال فيما هو مُتاح من أرزاق.
قلت: بل هو تكامل بين البشر لخلق أرزاق جديدة وقوة للمجتمع؛ ليستخدم طاقاته كاملة وليس نصفها فقط.
قالت شابة أخري: لكن ما الذي يحمي المرأة في هذا الزمن من الطغيان الذكوري؟
قلت: العلم ،العلم، العلم والمعرفة. على كل أسرة أن تسلح بناتها بالعلم والمعرفة؛ فلا سبيل لحماية الحقوق إلا بذلك .
إلى كل سيدات مصر…
…إلى كل آنسات مصر..
إلى كل عظيمات مصر…
ينحني العالم كله لَكُنّ احترامًا….. ماضيكُنَّ حضارة تسجلها أول صفحات التاريخ…
وعظمة حاضرِكُنَّ لا تخطئه أعين الناظرين…
والمستقبل تضيئه شمس وجودِكُنَ الجميل؛
فلا تنحين أمام جهالة البعض وضحالة التفكير الذي يريد العودة بكنَّ إلى ظلمات التاريخ.

التعليقات

التعليقات