علي مقهي “الحالمون بالغد”
النسر والأسد والدب والتنين
بقلم
حسام بدراوي
تفَاعل الإنسان مع محيطه الطبيعي عبر تاريخه الطويل، ومع تطوّر المنظومات الرمزية والثقافية، أسبغ الإنسان الصفات المختلفة على ما يحيط به من حيوانات، ورموز بحيث باتت ممثلة له ومعبرة عنه. ومع تبلور شكل الدول والمجتمعات، بحثت عن رموز تجسد ذاتها من خلالها، فتتخذ منها شعارات رسمية، تقوم بتصوير الدولة على النحو الذي ترغب بتقديم نفسها فيه.
الرموز تؤدي أغراضاً أبعد من مجرد الصورة الظاهرية للدولة وإنما هي مرتبطة بروح الشعوب والأقوام والدول.
أشهر هذه الرموز هي الدب الروسي هو رمز عالمي للدب البني الأوراسي، وقد أُعتمد شعاراً رسمياً في روسيا منذ مطلع العهد القيصري، في منتصف القرن السادس عشر، بواسطة القيصر “إيفان الرهيب”.كما دخل الدب في الأدب والفلكلور الروسي، من القصص والحكايات الشعبية، إلى الأمثال والأشعار والروايات.
وانتشر استخدام الدب كرمز لروسيا في أطوارها المختلفة (القيصرية، ثم الاتحاد السوفيتي، ثم الاتحادية) في الصحافة والإعلام العالمي، وفي السياق السياسي تحديداً، كما هو “العم سام” بالنسبة للولايات المتحدة، وعادةً ما يستخدم -من قبل الغرب- في إطار توصيف سياسات عدائية لروسيا؛ لما يرتبط بحيوان الدب من صفات العداء والتوحش.
الدبة ” من مدخل آخر “عند الأطفال والعشاق هي رمزاً للحب والحرية والبراءة لذا، فإن دمى الدببة تعود لتذكرنا بالحب البريء والنقي الذي نحتاجه في العالم الحالي. الحصول على دبدوب من القطيفة الناعمة يجلب ابتسامة عريضة ودائمة على وجه أي طفل أو عاشق.
الدب في الحقيقة هو حيوان ضخم قليل الذكاء، وتحكي الأسطورة أنه تصادق مع الإنسان ، ولما أراد أن يهش عنه الذباب وهو نائم جاء بحجر كبير والقاه علي رأسه فقتل صديقه وأنهي وجوده . تقول الأسطورة أن الدب كان لا يود قتل صاحبه ولكن بغبائه قضي عليه ويقول المتشككين ، ومن قال لنا أن وحشية الدب التي تشرب بها وجدانه ،هي التي تغلبت علي مشاعر
الصداقة في لحظة فقتل صاحبه، أي أن النية لم تكن صافية تماما!!!
من في الثلاثة نمازج هي روسيا الآن؟؟
أما التنين فقد ظهر في العديد من الأساطير في أرجاء العالم، و تباينت القصص عنه ،إلا أن التنين كحيوان أسطوري في بعض الثقافات الأوروبية والشرقية إنتهي به الأمر ليكون في الوجدان الحديث مرتبطا بالصين .
و للتنين أهمية روحية في الكثير من الأديان والثقافات في أنحاء العالم. فتوجد قصص التنانين في العديد من الثقافات الآسيوية، وفي بعض الثقافات يعتبر ممثلا للقوى الأساسية للطبيعة والدين والكون ، كما تربطه مع الحكمة، وكثيرا ما يقال أنه أكثر حكمة من البشر. ويقال عنهم عادة بأنهم يمتلكون شكلا من أشكال القوى السحرية أو القوى الخارقة للطبيعة، وغالبا ما يرتبط بالأمطار والأنهار. وفي بعض الثقافات، تكون التنانين قادرة على الكلام مثل الإنسان.
الثقافة الأوروبية كان للتنين موقعا فيها ، والأساطير تكلمت عنه بل ووصفته ، ولكن في الأغلب كمصدر للشر وليس الحكمة .
كيف نري التنين الصيني في نسخة نهاية الربع الأول من القرن الواحد وعشرين؟؟!!
أُعتبر النسر في أغلب الثقافات بمثابة ملك السماء، كما هو الأسد في المملكة الحيوانية، وفي كثير من الأساطير أُعتبر بأنه على علاقة مباشرة مع عالم الآلهة، حيث ربطه الإغريق بالإله زيوس، والرومان بالإله جوبيتر، والجرمان بكبير الآلهة “أودين”، وفي مصر الفرعونية أُعتبر رمزاً للإله حورس .
الولايات المتحدة إتخذت رمزها هذا النسر رغم معارضة الرئيس الأمريكى الأسبق بنجامين فرانكلين عام 1784 الذي أعلن إنه محبط من اختيار النسر كرمز للبلاد بدلًا من الديك الرومى، و أرسل رسالة منشورة يقول فيها : النسر الأصلع “طباعه سيئة فهو يسرق الطعام من الصقور بدلا من القيام بالصيد بنفسه كما أنه جبان” فيما وصف الديك الرومى بأنه “طائر شجاع و محترم للغاية ومن سكان أمريكا الأصليين ” وكأنه كان يري الولايات المتحدة في المستقبل.
أما الأسد.. الحيوان الأفريقي-الآسيوي فقد أصبح رمزاً للإنجليز ، رغم عدم تواجده في القارة الأوروبية، إلا أنّ الأسد هو الشعار الرسمي في الجزر البريطانية، في كل من انجلترا، واسكتلندا، وويلز، ويعود ذلك إلى رمزيته في التراث اليهودي – المسيحي، حيث كان الأسد هو شعار مملكة يهوذا. في العصور الوسطى، كان الملك هنري الأول هو أول ملك انجليزي يتخذ الأسد شعاراً لمملكته، وذلك بعد تتويجه ملكاً على انجلترا عام 1100، في مطلع القرن الثاني عشر، وفي فترة لاحقة،أصبح ريتشارد الأول يلقب بـ “قلب الأسد”. ومع مرور الزمن تم اعتماد الأسد شعاراً دائماً للمملكة، مع السعي لربطه بالشخصية الإنجليزية، باعتباره ممثلاً للقوة، والشجاعة، والنبل رغم أنه ولا هذه الصفات تتواجد في بلادهم أصلاً.
نظرت الي الرموز ودار في ذهني حوار حول حقيقة تمثيلها للدول في هذه المرحلة من التاريخ ، فوجدت أن الولايات المتحدة وقد يشاركها الأسد البريطاني الا قليلا تفوز فوزاً ساحقاً علي الجميع ، وتستحق أن تحظي بكل الشعارت لنفسها ، فتكون النسر الأقرع لا كما تصفه الثقافات كرمز للحرية بل كما وصفه الرئيس فرانكلين ، مفتقداً ما قصده الأولون من رمزية السمو، وفي نفس الوقت تستحق الولايات المتحدة أن تشارك شعار الدب الروسي كما وصفته الأسطورة ، فتقتل أصدقائها بحجة حمايتهم وأن تكون التنين كما وصفته الثقافة الأوروبية إختلافاً عن الثقافة الشرقية ، جباراً ينفث نارًا تسحق الجميع ويتاجر بالسلاح عيني عينك. ..
اللعبة اليوم معقدة جداً بين النسر الأميركي والدب الروسي والتنين الصيني في السيطرة علي مقدرات البشرية ، وإنزوي الأسد البريطاني تحت عباءة النسر الأمريكي محركاً الأحداث كثعلب وليس أسداً.
تتغير الأدوار بتغير الأحوال والمصالح تتصالح ويبقي الشر مسيطراً للأسف.
الأمور تسير هذه الأيام بفعل فاعل من سيّئ إلى أسوأ ، والكل خاسر…
ثنائيات متعارضة بين تدخل النسر الامريكي والأسد البريطاني في شئون البلاد الأخري بحجة الحفاظ علي حقوق الإنسان و تقتل في إطار تدخلها ملايين البشر وتترك ورائها نظماً خلقتها أجهزة مخابراتها ، غاية في التطرف والعنف في أفغانستان وأمثالها ، وفوضي عارمة في سوريا وليبيا والسودان وأمثالهم ، وإنفراط عقد شعوب كان لديها القدرة لتكون من الدول الرائدة مثل العراق بعد تدمير بنيتها وبناء فرقة دينية بين فئات شعوب العالم الثالث وابرام تحالفات شيطانية لتمكين إسرائيل من قيادة الشرق الأوسط حضارياً وعسكرياً.
العجيب أن شعار إسرائيل هو شمعدان وغصون زيتون رموز السلام وهي ابعد دول العالم عنه .
أما رمز نجمة داوود علي علم اسرئىل له معني رغم أن اليهودية الأرثوذكسية ترفض اعتبارها رمزا للشعب اليهودي وذلك لكونها رمزا ذو علاقة بالسحر والشعوذة القديمة أو ماكانت تسمى العلوم الخفية.
والقصة الأخري انها رمز لتحرير اليهودية من العبودية بعد أربعمائة سنة قضوها في مصر، فالشكل المثلث للهرم يدل علي التصوير الشامل للسلطة، أما الهرم الآخر المقلوب فيعني الخروج عن هذه السلطة.[
اختارت الحركة الصهيونية عام 1879م نجمة داود رمزاً لها واقترح تيودور هرتسل في أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال أن تكون هذه النجمة رمزا للحركة الصهيونية بل أيضًا رمز الدولة اليهودية مستقبلا.
الهرم أصبح رمزا لمصر عن استحقاق دلالة علي القوة والعظمة والعلم رغم عدم وجوده علي عَلَمها.
كل شعوب العالم الآن في مأزق لابد له من مستفيد، والتاريخ يقول لنا أنه ليس في السياسة صدف .
الولايات المتحدة إنسحبت في عهد ترامب من معاهداتها الدولية التي فرضوها للتجارة الحرة عندما كانت في مصلحتهم ، والحفاظ علي البيئة ، وعادت الآن تقول عكس كلامها…
العالم تَشُحّ فيه الأنهار ، وتذوب فيه مياه ثلوج القطبين ، مع زيادة في استخدام الفحم الحجري، تجعل الكوكب أكثر تلوّثاً بيئيّاً. العالم يعاني من نقص غير مسبوق في مصادر الطاقة رغم توفرها ومصادر الطعام رغم تواجده وتشهد البشرية تضخّما غير مسبوق ، وركود إقتصادي سيشل بلادآً ، وترتفع تكاليف الحياة اليومية مما سيؤدي الي ثورات وفوضي.
الولايات المتحدة أضرت بحلفائها ، وتقتل أصدقائها في جنون غير مسبوق في التاريخ.
و إسرائيل تعلن في فجور رغبتها في إبادة الشعب الفلسطيني مؤيدة بجنون النسر الأمريكي والأسد البريطاني رموز العنصرية الحديثة.
ماذا نفعل في مصر ، وكيف نخرج من مأزق إنساني و إقتصادي وتنموي وبيئي ، وجدنا أنفسنا فيه بفعل فاعل ؟
ما هو مخرجنا ؟ هذا هو ما يجب أن نتفق عليه ونتكاتف فيه ، وأن يتسع الصدر لننصت لصوت العقل ، فما زلت متفائلا بالرغم من ظلام يفرضه الواقع..