الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ ” سلسلة الجرأة علي التفكير “‏ بين التطور والثبات والإفاقة والسُبات ‏‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ ” سلسلة الجرأة علي التفكير “‏ بين التطور والثبات والإفاقة والسُبات ‏‎

‏” سلسلة الجرأة علي التفكير “‏
بين التطور والثبات والإفاقة والسُبات ‏
بقلم حسام بدراوي
شاهدت حواراً حول نظرية التطور والمفهوم الديني الثابت عبر التاريخ ، والخلط بين تفسيرات الكتب السماوية ‏في زمن ماضي ، وبين التفسير العقلاني لجُملها ومفرداتها بعدما فتح الله علي عقولنا بالمعرفة و الجرأة علي ‏التفكير. ‏
المقصود من هذا الحوار أن الفت النظر الي أهمية أن نفهم أن تفسير ما أنزله الله يتغير عبر الزمن بتطور ‏نضوج جمعي لعقل الإنسان وإلا ما كان القرآن يصلح لكل زمان. ما كان يستوعبه العقل الانساني منذ أكثر من ‏الف سنة غير ما نستوعبه الآن بل وأزيد أن ما كان يستوعبه العقل البشر من مائة عام فقط لا يقارن بما يستوعبه ‏اليوم. ‏
دورة الحضارة التي كانت ملايين السنين أصبحت آلاف السنين بعد معرفة الزراعة و أصبحت مئات السنين بعد ‏الثورة الصناعية وتطورت إلي عشرات السنين بعد التكنولوچيا وأضحت الآن من سنتين إلي ثلاثة بدخول عصر ‏الذكاء الإصطناعي وتقدم المعرفة الرقمية. .‏
أجدادنا كانوا يولدون ويموتون قي دورة واحدة من حياة البشر وعشنا نحن أربع دورات حياة في السبعين عاماً ‏الماضية وسيعيش أولادنا وأحفادنا بمتوسط عمر ثمانين عاماً أكثر من أربعين دورة حياة تتغير فيها أحوال ‏المعيشة ويتطور العلم بشكل غير مسبوق قد لا يستوعبه حتي الخيال. ‏
أتصور أن الإدراك الذاتي بالعقل هي قدرة الإنسان وأعظم ما يميزه بها عن باقي خلقه فالعقل والتفكير هي ‏معجزة الخلق فينا ، وأعتقد أن الدين وبالذات الاسلامي يحرضنا علي إعمال العقل والتفكير والبحث والعلم ..‏
عندما أطلق ” دارون” فرضيته بتطور المخلوقات عبر بلايين السنين ، ارتطمت النظرية العلمية بمعتقدات رجال ‏الدين المسيحي واليهودي بفهمهم الذي ارتبط بتفسيراتهم لمحتوي كتبهم الدينية في وقتها ، وكذلك المسلمين ‏الذين ساروا علي نفس المنهج. نفس حائط تكذيب أن الأرض ليست مركز الكون ، أو أننا كوكب يدور حول ‏الشمس، وغيره من الإثباتات العلمية .. ‏
التفسيرات إنسانية وليست مقدسة ، ولابد للبشرية أن تنضج وتعتبر تراكم المعارف في فهمها ولا تقف عند ‏مرحلة طفولة العقل الجمعي للبشر وهو تفسير أجداد أجدادنا لمحتوي الكتب الإلهية. . ‏
السؤال الديني الفلسفي العلمي هل بداية الخلق الذي ترمز له الأديان باسم العَلَم ” آدم “* خُلق كما نراه الآن ‏خلقاً كاملا ، يعني أمسك الخالق قطعة طين ثم عجنها في يده ونفخ فيها فإذا بها آدم‎!! ‎هذا ما يقولة المتشددون ‏المتمسكون بتفسير القدماء ، ” أن آدم خلق علي هيئته” ،ويؤكدون أن نظرية التطور تخالف الكتب السماوية قولاً ‏واحداً‎ ‎،‎ ‎فلا مجال للنقاش، ولا‎ ‎يمكن تصديق أن‎ ‎الإنسان‎ ‎نتاج‎ ‎لتطور‎ ‎من الحيوان الأدني مرتبة‎ …‎
أنا طبعاً أري العلم ومقتنع بمنهجه ولكني ، وبمساعدة من آخرين حاولت أن أجد من أين أتي هذا اليقين لدي ‏علماء الدين ، وبالرجوع إلى العقل وجدت أن حجتهم تتناقض حتي مع ما جاء في القرآن الذي يؤكد أن الإنسان ‏لم يُخلق بدون تطور ، وأتعجب من الوضوح الذي تجنبه المفسرين عبر التاريخ .‏
فالقرآن يروي قصة مختلفة تماماً عن خلق الإنسان ، قصة يتم فيها الخلق على مراحل وأطوار وزمن إلهي مديد. ‏فالقرآن يقول إن الإنسان لم يخرج من الطين مباشرة، وإنما خرج من سلالة جاءت من الطين: ‏‎”‎ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‎”
وإن الإنسان في البدء لم يكن شيئاً يذكر:‏
‏ ‏‎”‎هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا‎” ‎
وأن خلقه جاء أطواراً:‏
‏ ‏‎”‎ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً‎” ‎
معنى ذلك أن هناك مراحل بدأت بالخلق ثم التصوير .. ثم التسوية ثم النفخ .. و‎”‎ثم‎” ‎بالزمن الإلهي معناها ‏ملايين السنين:‏
‏ ‏‎”‎وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون‎” .‎
‏ فآدم إذن نهاية سلسلة من الأطوار وليس بدءاً مطلقاً على طريقة خلق مباشر وكأنه في المعتقد البسيط صنع الله ‏تمثالاً
‏ من الطين ثم نفخ فيه فأصبح الانسان الذي هو الآن. ‏
‏ ‏
قلت لنفسي: ولماذا إذن هذا الرفض القاطع من مفسري الأديان، وهل يختلف ذلك عن ما يقوله العلم الحديث في ‏نظريات التطور ….؟ ‏
في الحقيقة لا. ‏
أما في قصة آدم نفسه ، فلنا أيضا أن نفكر ونعيد صياغة فهمنا. فحسب المعتقد الديني فإنه عندما خلق الله آدم ‏ليسكن الأرض خليفة له وقال للملائكة اسجدوا لمخلوقي ، تساءلوا لماذا يخلق من يفسد فيها ويسفك الدماء وكأنهم ‏رأوا المشهد من قبل . ( هل يمكن أن تكون هناك عوالم وأكوان أخري كما يقول العلم الآن أو أن تكون دورة ‏الخلق تتجدد ، لذلك يصف الملائكة الذين يعيشون في بعد مختلف عن البشر الأمر لأنهم شاهدوه من قبل ) الا ‏أن الله علمه الاسماء وجعل له ميزة العقل والقدرة علي التمييز و الاختيار ليكون مختلفاً عن باقي خلقه، أي أن ‏ميزة الانسان في هذا الزمن وهذا الكون هي قدرته علي التفكير و الاختيار صوابا وخطأً. ‏
وعندما أدخله الجنة هو وحواء ومنع عنهما الأكل من الشجرة المحرمة فقد وضع أمامهم الاغواء‎ ‎والإختيار في ‏مقابل الطاعة. ‏
المهم لما قررا آدم وحواء استخدام حقهما في الاختيار وأكلوا من الشجرة المحرمة ، اكتمل خلقهما فأنزلهما الله ‏الي الأرض كما كان المقصود من خلقهم ابتداءاً. ‏
قيمة الإنسان في قدرته علي الإختيار حتي لو كان غير صحيح. ‏
لو لم يقوما بهذا الاختيار ما نزلا ، وما كان لخلق الانسان أن يكتمل ولا أن يتناسل ويُعمر الأرض. ‏
أي أن نزول آدم وحواء الي الأرض كان اكتمالاً لخلقهم الذي يفرقهم عن باقي المخلوقات التي تتم قراراتها ‏بتوجهات جينية موضوعة في تكوينهم، و لا اختيار لهم كالملائكة ، وليس عقوبة لهما كما تتواتر التفاسير. ‏
الحقيقة أن كثيرٌ من النّاس اليوم لا يرى في رواية التّكوين عن آدم وحوّاء أكثر من قصّةٍ رمزيّةٍ، ويوافق حتي ‏بعضاً من علماء الكاثوليك والبروتستانت واليهود والمسلمين على هذا الرّأي. ورغم أنّ معظم تفسيرات ‏المفسرين حسب زمانهم للأديان لبدء البشريّة يتعارض مع التّاريخ والعلم وهو ما خلق صراعاً بين الفلسفة ‏والعلم والدين عبر العصور فإن زيادة المعرفة قد يفسر الكثير. بالعلم والإثبات .‏
هذه الدّراسات تثبت أنّ التّنوّع الجينيّ الموجود في الإنسان الحديث قد يكون أكبر من أن يزوّده شخصان فقط، ‏
‏ أن مصدر طاقة بلايين خلايا الجسم الإنساني التي لولاها ما كانت الحياة أساساً منبعثة من ‏الميتوكوندريا(جسيم صغير جداً بجوار نواة كل خلية حية) التي هي مصنع الطاقة للبشر ، وهي تورث من الأم ‏فقط. أي أن المرأة ليست فقط أصل الحياة بل سبب إستمرارها. ‏
أزيد من المعرفة قطرة وأشارككم الذهول، أننا لو اختصرنا تاريخ تكوين الكون المعروف بالسنة الكونية منذ ‏اربعة عشر مليار سنة تقريبا ، فان الانفجار العظيم يكون قد حدث في الثانية الأولي من السنة الكونية و يكون ‏تكوين المجموعة الشمسية والارض قد حدث في سبتمبر ، وبدء ظهور الحياة وحيدة الخليه يكون في اكتوبر ‏وظهور الانسان يكون في الدقيقة الاخيرة من ٣١ ديسمبر ونكون نحن الآن في الثانية الاخيرة هذه الساعة. ‏
ولو قلصنا الكون ودمجناه في لوحة واحدة طولها وعرضها كيلومتر مربع لكانت الارض نقطة لا تراها العين الا ‏بالميكروسكوب ونحن البشر عليها وندّعي أن الكون مخلوق لنا و ملكنا. ‏
فلنغلق أعيننا ونتخيل الزمان والمسافات ونتفهم عظمة الخالق . ‏
واذا تركنا الكون علي سعته وتعمقنا في تكوين جسم الانسان وخلاياه وچيناته وكواركاته ( الكوارك أو الرِكِّين ‏هو جسيم أولي وأحد المكونين الأساسيين للمادة والمكون الآخر حسب هذه النظرية هو الليبتونات) له كتلة ولكن ‏أبعادها متناهية الصغر صفرية، تُرصَد عند حدوث تصادم شديد بين البروتون والإلكترون وهم بذرة بناء المادة ‏و التي هي أصغر بلايين المرات من كل خيال. ‏
‏ لابد لنا اذن من الايمان أن خلافاتنا الإنسانية تافهة رغم ما تُسبب من شرور نابع من غرور لا يتفق مع ‏قيمتنا الكونية. ‏
والغرور من بني الإنسان الذي لم يتواجد إلا من أقل من ثانية واحدة من عمر الأرض ولا يشغل سوي لا شئ ‏من حجم الكون فإذا تجرأ البشر علي التفكير فلابد من التواضع‎ ‎بديلاً عن الزهو والغرور. ‏
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات