الأربعاء , 20 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / عن الحرية أتحدث حسام بدراوي

عن الحرية أتحدث حسام بدراوي

عن الحرية أتحدث
حسام بدراوي

سألتنى واحدة من بناتى: ما قصة صالونك الثقافى الجديد يا دكتور، وما الفرق بينه وبين الصالونات الثقافية المتعددة التى نسمع عنها هذه الأيام؟

قلت: إن النشاط المجتمعى الثقافى مطلوب بكل أشكاله، ولكن ما نود عمله فى جمعية نشر الثقافة والمعرفة أكبر من مجرد صالون ثقافى مغلق على مجموعة من الحضور. إنه حوار ثقافى مُذاع على النت مباشرة، وبمشاركة من أعداد من الجمهور التى تستطيع المتابعة والمشاركة بالكتابة أثناء الإذاعة والمشاركة صوتًا وصورة عند اللزوم. الهدف هو انتشار المعرفة والدعوة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للمنفعة العامة.

قال زميلها: أنا حضرت الصالون الأول على النت، وتعجبت من أن سبعين ألف مشارك قد تابعوا الصالون وأدلى بدلوه إعجابًا ونقدًا أكثر من ألفى مشارك..

قلت: الصالون الأول كان حول كتاب د. طه حسين «عن الشعر الجاهلى»، وشارك فى النقاش معى ومع مدير الحوار، الأستاذ محمد أبوشامة، السادة: ثروت الخرباوى، وفاطمة ناعوت، وفاطمة البودى، وإسلام بحيرى، وأسامة الشيخ، وشريف عارف، وسوزان حرفى، وحسن البيلاوى فريد زهران، ومحمد مدكور وغيرهم من كرام الحضور، وتمتع بحوارهم آلاف المتابعين. الصالون القادم سيكون حول كتاب د. زكى نجيب محمود «عن الحرية أتحدث» يوم الأربعاء الأول من فبراير.

قالت الشابة الأولى: ولماذا هذا الموضوع بالذات؟ لقد فهمت أن مناقشة كتاب طه حسين فتحت أبواب استخدام العقل مقابل الثبات على الماضى، وأن ما طرحه طه حسين حول منهجية ديكارت فى الشك والبحث المحايد قد ضايق بعض الشيوخ فى عام 1926، وأن ذلك مازال يحدث بعد قرن من الزمان. ولكن فى الحديث عن الحرية قد يظن القارئ أنك تقصد علاقة الشعب بالحكومة أو أنك تفتح موضوعًا حساسًا للمناقشة..

قلت: الحرية يا ابنتى تتصدر دستور البلاد، ولا أجد موضوعًا أفضل نناقشه بعد مرور تسع سنوات على ثورة يناير، بكل مَن أيد وكل مَن عارض، بكل مَن رأى أفضل ما فى الشعب المصرى وكل مَن أخرج أسوأ ما فيه، أكثر من موضوع الحرية.. إن المجتمعات التى لا تتعلم من تجاربها هى مجتمعات جامدة، لا تتقدم إلى المستقبل، وتدور حول نقطة الثبات التى تظنها خيرًا وهى ليست كذلك. يقول الدكتور زكى نجيب محمود فى مقدمة كتابه إنه يبحث عما ينقصنا فى سبيل حياة حرة بمعناها الأكمل، فالمؤلف يخبر القارئ من خلال 30 فصلًا بالكتاب: «ما مفهوم الحرية؟.. وكيفية تحقيقها والوصول إليها؟»، محذرًا من الانخداع ببريق المجتمعات التى تدعو إلى الحرية بمثلها العليا، وهى أبعد ما تكون عنها، بل إنها تمارس القهر ليس بشكله المادى، بل بطرق أخرى مختلفة. ويتناول الكتاب شرح عدة مفاهيم مثل «العلمانية، الهوية المصرية، حرية التفكير، الثقافة العربية، الرهبة من المجهول»، ويطرح تساؤل: «هل شريعة الإسلام تتعارض مع الديمقراطية كنظام حكم؟» وغيرها من القضايا التى لا تزال مطروحة إلى يومنا هذا.

قال الشاب المثقف: ألسنا نناقض أنفسنا بالرجوع إلى كتب الماضى ونحن نتكلم عن حرية الفكر ونحن أنفسنا نحارب السلفية التى تريد سجننا فى ماضٍ أبعد منه؟

قلت: إن الذى يحيا حياته محاكاة لحياة غيره- من السلف أو من الخلف على حد سواء- فهو إنما يحيا صورة باهتة لأصل كانت له قوته عند صاحبه. الحقيقة يا بنى أن الانطلاق للمستقبل يستدعى وجود حاضر وجذور ماضٍ حتى تتراكم المعارف، وبدون ذلك لن يختلف الإنسان عن النبات والحيوان. معرفة التاريخ مهمة، والخبرة لا تأتى بدون معرفة. أما انغلاق الفكر وتوقفه عند لحظة تاريخية بعينها بدون التواؤم مع نمو الحضارة الإنسانية علمًا وفكرًا فهو غباء جمعى غير مستدام.

ويقول د. زكى نجيب محمود إن للحرية جانبها السلبى وجانبها الإيجابى. وقد ألفنا ألّا نفهم من حرية الإنسان إلا الجانب السلبى وحده، الذى يكسر القيود ويفك أسر السجين ويزيل الاستبداد، وهو ما تفعله الثورات والانقلابات ويصبح الإنسان حرًا فى أن ينطلق إلى حيث شاء. أما الجانب الإيجابى الذى بفضله تُبنى الحضارات وتُقام الثقافات، فهو إلى أين ينطلق، وكيف ينطلق، وعند هذه النقطة يأتى دور قادة الفكر والعلماء. الحرية لها قيود وإلا أصبحت فوضى تزيد من الاستبداد بعد قليل من الوقت.

قالت زميلته: وما حدود الحرية، وأين الفاصل بين حرية الفرد وحرية المجتمع؟

قلت: سؤالك هو مدخل «عن الحرية أتحدث»، حيث يقول إن الجمع بين حرية الأفراد المكونين لمجتمع ما، والتزامها حدود الكيان التى هى أجزاء فيه، إنما هو سر عظمة الخلق، من الكهارب داخل الذرة إلى الكواكب فى فلكها والمجرات فى تكوينها، الكل داخل تكوين أكبر يتمتع بحرية تحكمها قوانين وقواعد، وإلّا انهار كل شىء. الأساس إذن فى نظام الكون كله مجتمعًا فى كيان واحد وفى كل كائن من كائناته هو حرية الأجزاء، أو قل حرية الأفراد، حرية مقيدة ومحكومة بطبيعة الكيان، وليس فى ذلك تناقض.

قال الشاب: ومَن الذى يضع القوانين والقواعد؟

قلت: هذا هو مربط الفرس، فإذا وُجد القانون الذى يحكم علاقة الحرية الفردية بالمجموع فهناك أسئلة: مَن يضعه، مَن يطبقه، مَن يراقب حسن تطبيقه، ومَن يقيس آثاره؟ هل أتاح تطبيقه الفرصة للإبداع والتفوق أم زادت جرعة التكتيف، فأغلقت أبواب الحريات تحت اسم «حماية المجتمع»؟. إن تطبيق العدالة بدون انتقائية هو أساس حرية الأفراد.

قالت زميلته: يعنى لو سألناك عن روشتتك كطبيب لإتاحة حرية الفرد ونمو المجتمع بدون استبداد للسلطة، فماذا تقول؟

قلت: مؤسسة العدالة هى المدخل الأول، ومؤسسة إنفاذ القانون هى المدخل المندمج معها، مع مؤسستى التعليم والإعلام، اللتين تبنيان المعرفة بالحقوق وتدعوان إلى التمسك بهما، ووسيلتهما الثقافية فى ذلك هى الكتب والفن والـ«سوشيال ميديا».

المعرفة والعدالة يا أبنائى هما سر الحضارة وضمان الحرية الإيجابية.

قال الشاب: وما صعوبة ذلك يا دكتور؟ إن الاتفاق على ذلك سهل.

قلت مُنْهِيًا حديثى: الاتفاق سهل ولكن التطبيق يحتاج سعة أفق وإدارة فعالة، فهناك بلاد بلا موارد وارتفعت، وبلاد تملك من الموارد ما يبنى وانحدرت، وأمامنا أيام قريبة لشعوب لها نفس الجينات ونفس الموارد فى ألمانيا الشرقية والغربية وكوريا الجنوبية والشمالية والفارق بينها كان فى إدارة البلاد. عندما تخسر البلاد وتضيع فرصها واحدة بعد الأخرى فأنا لا ألوم الشعوب، بل الحكومات.

قال الشاب مرة أخرى: تبدو الأمور غير مُعقَّدة، فلماذا نُعقِّدها ونكرر أخطاءنا ونتوقع نتائج مختلفة؟

قلت: الحرية بلا قيود القانون فوضى، والفوضى تؤدى إلى الانهيار.. أما غياب المعرفة وادّعاء النجاح حيث الفشل فهو كارثة، وبكل الثقة أقول لكم إن مصر تملك مقومات الحضارة تاريخًا ومستقبلًا، وعلينا الإيمان بأنفسنا، وبأننا شعب عظيم. التجربة تقول: لا يوجد موظف سيئ لكن يوجد مدير غير قادر، ولا يوجد شعب سيئ ولكن توجد إدارة لا تستغل إمكاناته. ومدخلنا هو فى حريتنا الإيجابية وإبداعنا من هذا المنطلق.

التعليقات

التعليقات