الجمعة , 29 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / مشروع إنسان أفضل في رمضان

مشروع إنسان أفضل في رمضان

)مقال منشور في مجلة الأزهر الاربعاء ٥ رمضان ١٤٤٣ هجرية ٦ ابريل ٢٠٢٢ ميلادية(
بدأ شهر رمضان الكريم ، وتساءلت: كيف لنا ونحن في القرن الواحد وعشرين ننتظر رؤية العين لهلال القمر لنحدد بداية الشهر ، وقد أصبح العلم يتيح لنا تحديده لآلاف السنين القادمة، بالدقيقة والثانية. كيف يمكن لإنسان اليوم ان لا يعرف متي يبدأ الشهر ومتي ينتهي ، وينظم أوقات عمله وسفره وأجلزاته في انتظار رؤية العين للهلال؟؟؟؟

أما آن انا أن نُعمل عقولنا ونعي أن ما كان من ١٤٠٠ سنه كان مرتبطاً بزمنه. وانه آن أوان احترام الدقة واستيعاب العلم .
ولماذا لا يعمل كثير من المسلمين في رمضان، ويتكاسلون بحجة الصيام ، وينزلون العمل متأخرين ويغادرون مبكرين ، ويتجادلون في الزحام ، و ولماذا يتكالبون علي الأكل والحلويات ،في هذا الشهر بالذات وما علاقة الصيام بكل ذلك!!!!
سألني شاب من الحالمين : ألا تري معي يا دكتور أن الصيام أصبح حجة لعدم أداء الواجب. قلت : أوافقك. قال : إذا كان الصيام سيعطل موظف عن أداء عمله في خدمة المواطنين ، ألا يصح للدولة أن تؤاخذه لأن وظيفته تيسير قضاء حوائجهم . قلت: أوافقك. قال : وما هذه الترهات عن أسئلة عجيبة مثل هل يفطر دخول الماء الي الشرج عند التشطيف ، أليس هذا عبثاً ُيقزم الدين ويشوه الافتاء. قلت : أوافقك وأتعجب .
قالت فتاة مثقفة وقارئة: لقد قرأت آيات الصيام ، و أتسائل عمن ُكتبعليهمالصيامقبلالاسلام.وهلكانالعربفي الجزيرة يصومون وفي نفس الشهر.
قلت : حسب علمي حتي المصريين القدماء كانوا يصومون ، ونعم كان العرب قبل الاسلام يصومون ويحجون الي الكعبة. إن تقديس شهر رمضان ليس عادة إسلامية فقط، لأن العرب كانوا يقدسونه فى القدم، وكان عبد المطلب عم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، يقدس هذا الشهر ويعظمه ويلزم فيه غار حراء و يتحنث فيه ويتصدق فيه ويطعم الطعام .
كذلك فإن الصابئة ، بحسب مصادر التاريخ العربى، كانوا يصومون ثلاثين يوما مبتدئين الشهر بظهور الهلال، و منهين إياه بظهور هلال الشهر الجديد، وكانوا ُي َعيدون بعد انتهاء الشهر بعيد يسمى أيضا بعيد الفطر وفى هذا الأمر الكثير من المطابقة مع الصوم الإسلامي. كذلك كان اليهود يصومون عدة أيام من السنة حيث كان الصيام بالنسبة لهم تعبيرا عن الحزن وكانت معظم الأيام التي يصومون فيها تعتبر حداداً، كما أنهم كانوا يصومون تكفيراً للذنوب فضلا عن أنهم كانوا يعتقدون أن الصيام يحميهم من وقوع المصائب . والنصارى كذلك لهم أيام محددة ومتفرقة في السنة يحرصون على صيامها، كما هو الشأن عند المصريين القدامى الذين كانوا يصومون و حددوا أياما معينة للصيام. قالت الشابة: ومن هم الصابئة، لم أسمع عنهم من قبل؟؟ قلت : لأنكم لا تركزون في القراءة فقد ورد ذكر الصابئة وبصورةمستقلةفيالقرانالكريموفيالآياتالاتية. )سورة البقرة( :)ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم آجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون(.
وفي )سورة المائدة( ورد:)ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون( أما من هم ، فهم مجموعة من المؤمنين بالله الذين ي ّدعون أنهم علي دين إبراهيم وآدم ولهم عاداتهم القريبة من الاسلام ومازال لهم وجودا حتي الآن .
المهم ان الصيام ُوجد باشكا ٍل مختلفة قبل ظهور الإسلام ويقول الله في كتابه في سورة البقرة: “ َيا أَ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َمنُوا ُك ِت َب َع َل ْي ُك ُم ا ل ِّص َي ا ُم َك َم ا ُك ِت َب َع َل ى ا َّل ِذ ي َن ِم ن َق ب ْ ل ِ ُك ْم َل َع َّل ُك ْم ت َ ت َّ ُق و َن ” .
وهنا سألتني المجموعه كلها عما يمكن أن أنصحهم به في رمضان.
فكرت فيما أقرأه من فلسفة وعلوم الفيزياء والصوفية ومقارنه الأديان . ثم فكرت في قضايا خلافيه حول موعد رمضان فلكيا وتعديل الشهور القمريه كل ثلاث سنوات بشهر بلا اسم حتي تأتي شهور الربيع في الربيع ورمضان في أغسطس وسبتمبر ، والحج في ديسمبر ويناير كما هو مفروض من دورة الأرض والشمس والنجوم وحركه الكون مما كان العرب الأولون يفعلون وفي بدء التقويم الهجري ، ثم قلت في نفسي لا ، ليس هذا وقت مناقشات جدلية . الأفضل أن أنصحهم من

القرآن ببعض الحكم الحياتية ، كما نفعل في التعليم ، عندما نتكلم عن القيم والمهارات الواجب تطبيقها. فعدت الي بحوثي وقلت لهم :
إن رمضان فرصة لنا جميعا ، فهو شهر استعدت النفوس فيه للتقرب من الله. فلنأخذ من القرآن نصائحه لنا في ممارسة الحياة ونجعل هذا الشهر بداية لمشروع إنسان أفضل لكل
واحد منا. قالوا كيف وماذا تقصد ؟ قلت ، بمنطق التعليم في الشرح والتبسيط ، سأجعلها وصايا عشر، تجعل كل واحد منا إنساناً أفضل، وكلها مأخوذة من آيات القرآن الكريم:
أولاً : الاعتدال في الأكل والشرب فهو شهر صيام “َوُكُلواَواْشَرُبواَوَلاتُْسِرفُواۚإِنَُّهَلاُيِحُّباْلمُْسِرِف َين”
ثانياً: الاعتدال في الإنفاق و الحياة عموماً ” َو َلا تَ ْج َع ْل َي َد َك َم ْغ ُلو َل ًة إِ َلىٰ ُعنُ ِق َك َو َلا تَبْ ُسطْ َها ُك َّل ا ْلبَ ْس ِط
فَتَ ْق ُع َد َم ُلو ًما َّم ْح ُسو ًرا ” .
ثالثاً : طريقه كلامنا والجهر بأصواتنا، ” َوا ْق ِص ْد ِفي َم ْش ِي َك َوا ْغ ُض ْض ِمن َصوْ ِت َك ۚ إِ َّن أَن َك َر ا ْلأَ ْصوَا ِت
َل َصوْ ُت ا ْل َح ِمي ِر”.

بل ان القرآن الكريم قد ضبط لنا طريقة هذا المشي سواء كان شكلاً أو مجازاً فقال ” َو َلا تَ ْم ِش ِفي ا ْلأَ ْر ِض َم َر ًحا ۖ إِنَّ َك َلن تَ ْخ ِرقَ اْلأَْر َض َوَلنتَبُْلغَاْل ِجبَاَلطُوًلا”.
رابعاً: رعاية الوالدين . ” َو ِبا ْلوَالِ َد ْي ِن إِ ْح َسانًا إِ َّما َيبْ ُل َغ َّن ِعن َد َك ا ْل ِكبَ َر أَ َح ُد ُه َما أَ ْو ِكلا ُه َما فَلاَتَُقل َّلُهَماأُ ٍّف َولاَتَنَْهْرُهَما َوُقل َّلُهَما َقوْلاً َكِريًما.
خامساً : ضبط الظنون والسعي للحقيقة فقال “يا أَ ُّي َها ا َّل ِذي َن آ َمنُوا ا ْجتَ ِنبُوا َك ِثي ًرا ِّم َن الظَّ ِّن إِ َّن َب ْع َض ا ل ظ َّ ِّن إ ِ ث ْ ٌم ۖ ”
سادساً: الصدقواجتنابالكذب ” إناللهلايهديمنهومسرفكذاب” ” َوا ْجتَ ِنبُوا َقوْ َل الزُّو ِر” “َياأَُّيَهااَّلِذيَنآَمنُوااتَُّقوااللهََّ َوُكونُوا َمعَال َّصاِدِق َين”
سابعاً : ان نقول أفضل الكلام للآخرين ” َوُقوُلوالِلنَّا ِس ُح ْسنًا” “فَ ُقل َّل ُه ْم َقوْ ًلا َّم ْي ُسو ًرا”

ثامناً : يعلمنا القرآن ضبط مجالسنا سويا أو معاملاتنا في السوشيال ميديا التي جاءت بعده بأكثر من الف سنة قائلا، فيقول عز وجل:
” َو َلا َي ْغ ت َ ب َّب ْع ُض ُك م َب ْع ًض ا ۚ أ َ ُي ِح ُّب أ َ َح ُد ُك ْم أ َ ن َي أ ْ ُك َل َل ْح َم أ َ ِخ ي ِه َمْيتًافََكِرْهتُُموُهۚ َواتَُّقوااللهََّۚإَِّناللهََّتَوَّا ٌب َّرِحيٌم”
تاسعاً: فلنستخدم عقولنا وما أعطانا الله من حكمة
” َو َم ْن یُ ْؤ َت ا ْل ِح ْك َمةَ فَقَ ْد أُوتِ َي َخ ْی ًرا َكثِی ًرا َو َما یَ َّذ َّك ُر إِ َّلا أُولُو ا ْلأَ ْلبَا ِب ” ” قل ھل یستوي الذین یعلمون والذین لا یعلمون” ” إنما يخشى الله من عباده العلماء”
عاشراً: فلنقرأ ونتثقف ونتعلم ْْ َََََََََِِِّْْْْ
اقَرأِباْسمَِرِّبكالذيخلقَ.خلقَالإنَسانمْنَعلقٍاقَرأَوَرُّبك َََََََََِِّّّْْْْْ
الأكَرُم.الذي َعلَم ِبالقلمِ. َعلَمالإن َسان َمالْم َيْعلْم
وأضفت قائلاً أن صيام رمضان فرصة لجهاد النفس الذي يعلوا قدراً و يعظم أجراً عن أي جهاد آخر لو تعلمون. الأمر بسيط يا شباب ، إنها مجموعه من القيم والأفعال التي لو نفذناها والتزمنا بها لكنا مجتمعا صالحاً وقد يكون رمضان شهراً تُستنفر فيه الهمم لنبدأ عهداً جديداً نقول فيه قولاً حسناً ميسوراً ، ونلتزم بالصدق ، ولا نمشي في الأرض
مختالين بأنفسنا ونُخفض من أصواتنا ونحترم حرية الآخرين ولا نتجسس ولا يغتب بعضنا بعضاً، ونتأكد مما نقول ونفعل ، ونتصدق بحب ، ولا نُسرف في الأكل في شهر مفترض فيه الإمساك عن الشهوات ونقول ُحسنا للآخرين ، ونظن خيراً في الناس حتي يرتفعون لمستوي ظنوننا بهم ، ونغض البصر ونصون أهلنا بفعل الخير دائما.
هذه نصائحي إليكم من مدخل القرآن الكريم وكلام الله عز وجل . فلنأخذ المبادرة في رمضان لنبدأ أو نُكمل ما نحن عليه من محاسن الأخلاق.

التعليقات

التعليقات